بعد تأكيد “حزب الله” رسميا، السبت، 28 سبتمبر/ أيلول 2024، “استشهاد” أمينه العام حسن نصر الله بغارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، تصاعدت التكهنات بشأن هوية من يخلفه في قيادة الحزب، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت عن “نجاة” هاشم صفي الدين الرجل الثاني في الحزب من استهداف إسرائيلي سابق.
إذ قال الحزب في بيان إن “سيد المقاومة (لقب نصر الله) انتقل إلى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا”. وأضاف أن نصر الله “التحق برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوًا من ثلاثين عامًا، حيث قادهم فيها من نصر إلى نصر”.
فمن سيخلف حسن نصر الله؟
بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، وقف القائد العسكري الكبير في حزب الله هاشم صفي الدين، صبيحة يوم الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد يوم واحد من طوفان الأقصى، ليعلن أمام حشد كبير من أنصار الحزب في لبنان إن حزبه لن يكون محايدًا في الحرب التي انفجرت رحاها بين المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال الإسرائيلي.
صفي الدين، ذراع حسن نصر الله اليمين وابن خالته، وكاتم أسراره، ورفيق رحلته منذ أن استدعوه من مدينة قُم الإيرانية وهو طالب يدرس هناك العلوم الشرعية، ليكون بجوار ابن خالته “السيد” الذي كان قد تولى لتوه أمانة حزب الله بعد اغتيال الأمين العام السابق عباس موسوي.
جدير بالذكر إن السيد عباس موسوي الأمين العام الثاني لحزب الله في لبنان، ذهب إلى العراق للدراسة فعارض نظام البعث، وعندما عاد إلى لبنان دخل في معركة أكثر جدية مع إسرائيل من خلال تشكيل حزب الله. وتأثر بأفكار السيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني وجاء إلى إيران من أجل لقائهما عام 1979، وبعدها تم انتخابه أمينًا عامًا لحزب الله عام 1991 ليتم اغتياله على يد الاحتلال الإسرائيلي في فبراير / شباط من عام 1992.
يقولون إن هاشم صفي الدين أشد الناس شبهًا بـ”سماحة السيد”، خاصة وأنه ابن خالته ورفيق رحلته منذ اليوم الأول في حزب الله، لكن لم يكن يعلم هاشم صفي الدين إن طوفان الأقصى سيدفع به سريعًا ليكون خليفة مرتقبًا لحسن نصر الله بعد أن أعلنت الحزب رسميًا يوم السبت 28 سبتمبر/ أيلول 2024، عن “استشهاد” أمينه العام في الغارة الإسرائيلية التي استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، مساء الجمعة.
في لقائه بالحشود الشعبية في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم ينس هاشم صفي الدين أن يثني على “طوفان القسام” ضد الاحتلال، حتى أنه في كلمته التي شهدت حضورًا كبيرًا من الجماهير اللبنانية وصف ما حدث بالملحمة البطولية، وذهب إلى أبعد من ذلك ليعلَن بشكل رسمي عن استعداد حزبه وقوات حزبه الكامل للحرب ضد الاحتلال.
في الأروقة السياسية الإسرائيلية، طرح الحديث عن خليفة حزب الله في يناير عام 2023، حينما تحدث الجنرال الإسرائيلي موشيه إلعاد، حول من هو الشخص المرتقب الذي سوف يتولى أمانة حزب الله بعد رحيل أو اختفاء حسن نصر الله، وقد كان هاشم صفي الدين هو البديل الذي أشار إليه موشيه إلعاد في حديثه.
حديث إلعاد كان في مقال له نشرته “القناة الـ14” الإسرائيلية، وبالمناسبة فإلعاد، هو محاضر بالكلية الأكاديمية للجليل الغربي و شغل مناصب عليا في الجيش الإسرائيلي وقد قال أن هاشم صفي الدين أحد أقارب نصر الله هو المرشح الرئيسي ليحل محله، وينسب له التهديد الأبرز بقوله “يومًا ما سنعيش داخل فلسطين”.
لذلك فالاسم المطروح وبقوة وفي المرتبة الأولى، ليكون خليفة لحسن نصر الله فهو ابن الخالة والقيادي السياسي والعسكري البارز وخازن أسرار الحزب، هاشم صفي الدين:
حياة هاشم صفي الدين
في الحقيقة لا أحد يعرف الآلية التي يتم بها اختيار الأمين العام لحزب الله، وكذلك فإن عملية الاختيار يكتنفها الكثير من الغموض والسرية بطبيعة الحال في ظل “التربص” الإسرائيلي بالحزب وقياداته، ولكن مع إعلان اغتيال حسن نصر الله، ذهبت الأعين إلى هاشم صفي الدين.
بعد تولي حسن نصر الله الأمانة العامة لحزب الله اللبناني في عام 1992، بعث لاستحضار ابن خالته هاشم صفي الدين الذي كان يدرس في مدينة قُم الإيرانية، وقد عينه مباشرة في عام 1994 في منصب رئيس المجلس التنفيذي للحزب والذي يعتبر بمثابة حكومة حزب الله.
كان يتمتع بعلاقات قوية جدًا بين كل أطراف الحزب اللبناني، إذ كانت تربطه علاقة قوية بجناح الحزب العسكري بالإضافة إلى الجناح التنفيذي داخل الحزب وقد كان يمسك بكل الملفات اليومية الحساسة وكان أحد ذراعين للحزب، إذ يتولى الملفات اليومية الحساسة وابن خالته حسن نصر الله يتولى الملفات الاستراتيجية كلها.
تشبع بالتجربة منذ يومها الأول، فهو الذي كان بمثابة ظل حسن نصر الله يحضر منذ اليوم الأول كل اجتماعات الحزب ويلتقي بكل الوفود ويشرف على كل الخطط والاستراتيجيات التي يتبناها الحزب، وقد كان في لحظة ما هو الرجل البديل في الحزب في حال انزواء حسن نصر الله عن الأنظار.
قليل الظهور الإعلامي وقد كان في حالة اختفاء تام عن الأنظار ولكن نظرًا لضرورة مشاركة قادة الحزب في مناسبات رسمية للحزب، اضطر هاشم صفي الدين أن يكون محطّ الأنظار بحضوره مناسبات كثيرة في السنوات القليلة الماضية، فبدأ الإعلام يتلقف الرجل الذي كان يعيش بعيدًا عن الكاميرات ويدير الحزب بجانب حسن نصر الله.
ولد هاشم صفي الدين في ستينيات القرن الماضي، بمنطقة صور جنوبي لبنان، وقد كانت عائلته ذات حضور كبير ومن عائلته الكثير من رجال الدين والساسة وكذلك البرلمانيين في لبنان. ذهب سريعًا وتزوج وهو شاب من ابنة السيد محمد علي الأمين، عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وقد توفي السيد محمد علي الأمين عن عمر ناهز مائة وعامين وذلك في عام 2022، وقد نعاه حزب الله وكذلك حسن نصر الله في وقتها، وقد شارك في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مع السيد موسى الصدر ورفاقه، وواكب مسيرة عمل المجلس حتى وافته المنية.
مضت الأيام وتولى هاشم صفي الدين مسؤولية المجلس التنفيذي للحزب، وأشرف كذلك على استثمارات الحزب الضخمة حول العالم حيث يشرف على الاستثمارات الخاصة بالحزب في كل من لبنان والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وقد كان المجلس التنفيذي يضم تحت إدارته العمل العسكري، قبل أن يتم إنشاء المجلس الجهادي بعد ذلك وفصله تمامًا عن المجلس التنفيذي لحزب الله.
إذًا فنحن أمام شخصية ظلت تدير العمل العسكري والعمل التنفيذي وكذلك السياسي للحزب لسنوات طويلة، فأصقل موهبته وبات يمسك بكل تلابيب الحزب وأصبح كالرديف لحسن نصر الله، وقد تمتع هاشم صفي الدين بعلاقات قوية مع إيران حتى بعدما ترك قم وعاد لإدارة الحزب.
حيث أثرت السنوات التي قضاها صفي الدين بقم في أفكاره السياسية، فهو مثلًا من الداعمين لفكرة ولاية الفقيه، وقد عمل على أن يكون هناك صِلات نسب بينه وبين القادة في إيران، فزوج ابنه رضا من ابنة قاسم سليماني الجنرال الإيراني المعروف الذي قتلته أمريكا في بغداد بالعراق في عام 2020.
ومع المخاوف التي يثيرها الكثيرون حول مستقبل حزب الله بعد اغتيال حسن نصر الله على يد الاحتلال الإسرائيلي إلا أن تجربة هاشم صفي الدين في ملاصقة حسن نصر الله في إدارة الحزب من اليوم الأول واطلاعه على كل خطط الحزب وكذلك إشرافه على العمل السياسي والتنفيذي وكذلك العسكري، فإنه من المرتقب أن يكون هاشم صفي الدين في إدارته للحزب على مستوى كبير من الاحتراف في إنقاذه ومحاولة ترتيب أوراقه بعد الضربات القوية التي طالته.
كيف ينظر هاشم صفي الدين إلى إسرائيل؟
في خطابه الثاني والحاشد، بعد أحد عشر يومًا من طوفان الأقصى وبالأخص في الثامن عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقف هاشم صفي الدين مرة أخرى في حشد كبير أمام المؤيدين لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت ليصف ما يحدث في غزة بالمجازر اليومية التي تُرتكب من جانب الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
هاشم صفي الدين سخر من الاحتلال الإسرائيلي في خطابه وقال إنهم في الحزب لديهم معلومات تقول إن “إسرائيل” بكل قيادتها العسكرية والأمنية حائرة وضعيفة وخائفة والأميركي جاء لتهدئة خوفها.
تغلغلت أفكار “ولاية الفقيه” في فكر هاشم صفي الدين، حتى بات يؤمن بضرورة تطبيق نظرية ولاية الفقيه، في لبنان وفي كل العالم العربي رغم أن الكثير من شيعة لبنان لا يؤمنون بها.
الخليفة المرتقب يرى أن “نظرية ولاية الفقيه من أهم النظريات التي أخرجها الخميني من الأدلة الشرعية والعقلية لتكون مشروعًا كاملًا يعالج أهم المشكلات التي واجهت الحركات الإسلامية، والتي أدت إلى حالة التشرذم”. ويؤمن بأنه سيكون في يوم من الأيام من سكان مدن فلسطين.
وعلى خلاف ما يؤمن الحزب وكذلك إيران من أن “مدنيين إسرائيل” لا يجب أن يتم استهدافهم باعتبارهم مدنيين أو “مختطفين من جانب الاحتلال”، كرؤية شرعية يتبناها الحزب وإيران في تجنب استهداف المدنيين، لكن هاشم صفي الدين يرى بأن كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن يعيش عليها من إسرائيليين هم محتلون ويجب استهدافهم من أجل تحرير فلسطين وتسليمها إلى أهلها.
وقبل أن يتولى منصبًا هامًا في حزب الله، تدرب في الثمانينات على القيادة في إيران وقد تم تجهيزه سلفًا من أجل أن ينطلق في إدارة الحزب جنبًا إلى جنب مع حسن نصر الله.
وقد وجه تحذيرًا للاحتلال الإسرائيلي قبل أيام حينما شارك في تشييع ضحايا تفجيرات “البيجر” الشهيرة، وتوعد إسرائيل بالعقاب والرد على ما حدث وشدد على أن الحزب سوف يرد بآلية جديدة لتبرهن أن بصمة الحزب ما زالت موجودة وبقوة في المشهد العسكري.