في أعقاب هجوم “طوفان الأقصى” المفاجئ الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعترف مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون بأنهم صرفوا أنظارهم لوقت طويل عن حماس، فقد أمضوا الأعوام السابقة في تركيز جهودهم بشكل رئيسي على
حزب الله
اللبناني، العدو الأكثر قوة. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن مستوى اختراق إسرائيل لحزب الله واسع النطاق بالفعل، كما تقول مجلة Economist البريطانية.
ففي السابع عشر من سبتمبر/أيلول انفجرت آلاف من أجهزة النداء التي يستخدمها أعضاء الحزب في وقت واحد، مما أسفر عن استشهاد العشرات وإصابة الآلاف وإلحاق دمار هائل بشبكات الاتصالات التابعة للحركة. وفي اليوم التالي انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكي بنفس الطريقة. وكانت هذه الهجمات إيذاناً بتحول كبير في نمطها الذي ظل ثابتاً طوال عام بين الطرفين، حيث أخذت إسرائيل زمام المبادرة في تصعيد الحرب بشكل مفاجئ.
وبعد يومين، ذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك، فقصفت ودمرت مبنى سكنياً في حي الضاحية الجنوبية في بيروت، المعقل الرئيسي لحزب الله. وأسفرت الضربة عن اغتيال إبراهيم عقيل، أحد الأعضاء المؤسسين للحزب ورئيس عملياتها، إلى جانب قادة قوة الرضوان النخبوية. وكان اغتيال عقيل خطوة جريئة من جانب “إسرائيل” لتغيير ديناميكيات الصراع والبدء في استخلاص أثمان أعلى من حزب الله، كما تقول “الإيكونومست”.
“إسرائيل” تقترب من الحرب الشاملة مع حزب الله دون رؤية واضحة
منذ الهجوم على حزب الله، بدأت “إسرائيل” في شن غارات جوية ليلية، حيث ضربت أهدافاً أعمق داخل لبنان مقارنة بما فعلته خلال العام الماضي. ويقول ضباط إسرائيليون إنهم دمروا أكثر من 300 موقع لإطلاق الصواريخ من جانب حزب الله، فضلاً عن بعض الصواريخ بعيدة المدى، ووصف أحد الضباط هذه المرحلة بأنها “مرحلة إنكار القدرة” و”ضغطة أخرى على زر التصعيد”، على حد زعمه.
استغرق حزب الله بعض الوقت قبل الرد على “إسرائيل”؛ ولكن في وقت مبكر من صباح الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول أطلق وابلاً من 115 صاروخاً باتجاه شمال “إسرائيل”، فبلغت مسافة أبعد داخل البلاد مما كانت عليه حتى الآن. وقد اعترضت أنظمة الدفاع الإسرائيلية بعض هذه الصواريخ التي نجح بعضها الآخر في اختراق الحدود وإيقاع دمار وإصابات.
وعلى الرغم من هذا التصعيد، فإن هذه ليست حرباً شاملة بعد، حيث لم تشن “إسرائيل” عملية برية، فيما لم يطلق حزب الله شيء يقترب من قوته النارية الحقيقية، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى نحو مواقع مدنية وعسكرية رئيسية في وسط إسرائيل، وشن غارات برية متعددة داخل الأراضي الإسرائيلية.
وبالنسبة لـ”إسرائيل” فإن هذا يعني حملة قصف أوسع كثيراً ضد صواريخ حزب الله، بما في ذلك مواقع داخل المناطق المدنية، وكذلك تدمير البنية الأساسية المدنية على أمل تأليب الشعب اللبناني ضد الحزب. وتقول المصادر العسكرية إن “إسرائيل” تخطط أيضاً لشن هجوم بري يشمل الاستيلاء على منطقة عازلة تتألف من بضعة أميال من الأراضي اللبنانية.
نتنياهو ليس لديه القوات اللازمة لغزو جنوب لبنان
وأعلن الجيش الإسرائيلي عن نشر فرقة ثانية كانت في غزة قبل شهر تقريباً إلى الشمال استعداداً لهذه الخطة. ولكن حتى عطلة نهاية الأسبوع، لم يكن مثل هذا الغزو وشيكاً، حيث كانت الوحدات القتالية تتدرب خلال يوم السبت في قواعد في الشمال ولكنها لم تبدأ بعد في التجمع على الحدود. وقال أحد ضباط الاحتياط الإسرائيليين المشاركين في الاستعدادات لمجلة “الإيكونوميست” إن “الخطط الخاصة بالغزو البري جاهزة، ولكننا ما زلنا بعيدين عن امتلاك القوات الكافية هنا لتنفيذها”.
ويخفي توقيت الخطوات الإسرائيلية الأخيرة الانقسامات داخل المستويات العسكرية والسياسية العليا، حيث يدعو البعض إلى تصعيد أسرع كثيراً، ويزعمون أن “إسرائيل” لابد وأن تستغل الفوضى داخل صفوف حزب الله لتدمير نسبة أكبر كثيراً من قدراته والاستيلاء على الأراضي. أما الجنرالات الأكثر حذراً، فيفضلون الاستراتيجية الحالية الأكثر تدرجاً، والتي يأملون أن تمنح حزب الله “مساحة لإعادة النظر في موقفه والتراجع”، على حد زعمهم.
ووعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم سالمين. وأصر على أن “أهدافنا واضحة، وأفعالنا تتحدث عن نفسها”. والأولوية هناك بالنسبة لنتنياهو تتلخص في الإثبات للجمهور الإسرائيلي أنه هو الوحيد قادر على تحقيق أهدافه على جبهة واحدة على الأقل. حيث فشلت قواته في تدمير قدرات حماس أو إنقاذ نحو 100 من الأسرى الذين ما زالوا محتجزين هناك أو في إرغام حماس على قبول وقف إطلاق النار بشروط إسرائيل. ويريد نتنياهو تحويل التركيز إلى الشمال وفصل الجبهتين.
تقول “الإيكونوميست” إنه في الوقت الحاضر ليس من المؤكد أن يتمكن نتنياهو من استعادة الهدوء أو تمكين الإسرائيليين من العودة إلى منازلهم في الشمال. وبغض النظر عما ما يقوله رئيس حكومة الاحتلال، فإن أهدافه واستراتيجيته ليست واضحة حول لبنان. ومع ذلك فمن الواضح على نحو متزايد أن “إسرائيل” في حربها مع حزب الله ليست مستعدة للانتظار حتى تتضح هذه الأهداف والاستراتيجيات.
معركة “الحساب المفتوح”
في السياق، تقول صحيفة “الغارديان” إن الاعتماد على الاعتقاد بأن “إسرائيل” سوف تنتصر بشكل حاسم مع حزب الله إذا تصاعد القتال يشكل تفكيراً قاصراً وخطيراً. ولكن هذا التصعيد يأتي أيضاً في وقت قرر فيه القادة الإسرائيليون أن شهوراً من ردود الفعل المتبادلة على هجمات حزب الله عبر الحدود الشمالية لم ولن تجلب السلام.
ويوم الأحد، قال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، إن الجماعة دخلت مرحلة جديدة في صراعها مع إسرائيل وهو ما وصفه “معركة الحساب المفتوح”. حيث يمتلك حزب الله ترسانة صاروخية تضم ما بين 150 – 200 ألف صاروخ وقذيفة يستطيع تهديد أمن “إسرائيل” فيها بشكل جدي.
وبناء على خطاب نعيم قاسم، فمن الواضح أن أياً من الجانبين لا يبدو راغباً في التراجع، الأمر الذي يثير التساؤل حول ما قد تؤدي إليه وتيرة القصف المتبادل عبر الحدود. فمن المرجح أن يؤدي إطلاق حزب الله لصاروخ واحد قد يؤدي لسقوط عدد كبير من القتلى الإسرائيليين غير العسكريين، سواء عن عمد أم لا، إلى رد فعل إسرائيلي أكثر شدة، ويخاطر بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين في لبنان في المقابل.
وتقول “إسرائيل” إنه عندما تم اغتيال إبراهيم عقيل، كان هو وقادة آخرون من وحدة رضوان النخبوية التابعة لحزب الله يناقشون هجوماً مفاجئاً عبر الحدود لاحتلال منطقة الجليل، مشابهاً لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي نفذته حركة حماس.
وتشير التقديرات إلى أن حزب الله لديه ما بين 30 ألفاً و50 ألف مقاتل جاهزين، فضلاً عن عدد مماثل من الاحتياطيين. وهو قوة عسكرية أكبر وأكثر قدرة من حماس، التي لا تزال تواصل القتال ضد “إسرائيل” على الرغم من الغزو البري والهجوم الجوي الذي تتعرض له الحركة في غزة منذ عام.