يصوت اليوم الثلاثاء، 17 سبتمبر/ أيلول، أعضاء مكتب الجمعية الوطنية الفرنسية على اقتراح طرح عزل الرئيس إيمانويل ماكرون للنقاش والتصويت، وهو اقتراح مقدم من حزب “فرنسا الأبية” الذي ينتمي إلى أقصى اليسار. على الرغم من ذلك، يُرجح أن هذه الخطوة لن تنجح في النهاية. فما هي العقبات التي تقف أمام هذا الاقتراح وتقلل من فرص نجاحه؟
في ظل حالة من الضبابية السياسية التي تعيشها فرنسا، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الأيام هي الأخيرة لماكرون في قصر الإليزيه. يأتي هذا السؤال وسط أزمة سياسية متفاقمة، حيث لم يتمكن رئيس الوزراء الجديد، ميشال بارنييه، من تشكيل حكومة حتى الآن.
ويسعى حزب “فرنسا الأبية” بقيادة جان لوك ميلنشون لتحفيز الكتل البرلمانية على التصويت لصالح عزل الرئيس ماكرون.
هذا التحرك يأتي بعد نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو/تموز، حيث نالت الجبهة الشعبية الجديدة، المكونة من عدة أحزاب يسارية بما في ذلك حزب “فرنسا الأبية” والحزب الاشتراكي، أكبر عدد من المقاعد دون تحقيق أغلبية برلمانية واضحة.
تعيين بارنييه وتأجيج الأزمة السياسية
تفاقمت الأزمة السياسية مع تعيين ماكرون لميشال بارنييه، الذي يُعد أحد أقطاب اليمين الفرنسي، في منصب رئيس الوزراء. هذا القرار أثار غضب المعارضة اليسارية التي اعتبرته انتهاكًا للتقاليد الديمقراطية الفرنسية.
فوفقًا للدستور الفرنسي، يملك الرئيس صلاحية اختيار رئيس الوزراء، لكن العرف السياسي يقضي بأن يكون الاختيار من الحزب الذي يملك أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، وهو ما تجاهله ماكرون باختياره بارنييه.
جان لوك ميلنشون وصف هذا التعيين بأنه “انقلاب على إرادة الناخبين” ودعا إلى احتجاجات واسعة. إضافة إلى ذلك، تجاهل ماكرون اقتراح ائتلاف اليسار بتعيين لوسي كاستيتس، الخبيرة الاقتصادية البالغة من العمر 37 عامًا، والتي كانت مرشحة الجبهة الشعبية لهذا المنصب وحظيت بدعم كبير في الانتخابات التشريعية.
موقف المعارضة: دعم محدود لفكرة العزل
الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، وهما جزء من الجبهة الشعبية الجديدة، كانا في البداية يعارضان فكرة مناقشة عزل ماكرون.
إلا أنهما غيّرا موقفهما لاحقًا، حيث أعلنا موافقتهما على طرح النص للنقاش في مكتب الجمعية الوطنية. لكن رغم هذا التغيير، أكدا أنهما لن يذهبا أبعد من مجرد مناقشة النص، ولن يدعما التصويت لصالح عزل ماكرون.
في بيان، أوضح الحزب الاشتراكي أن موقفه من جوهر الموضوع لم يتغير، مشيرًا إلى أن إجراءات العزل الدستورية لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة “الخيانة العظمى”.
وأكد نواب الحزب أن هذا الإجراء سيعزز موقف ماكرون بدلاً من إضعافه، ويمنحه المزيد من المصداقية وسط الأزمة السياسية الحالية.
العقبات القانونية والدستورية أمام العزل
رغم أن مناقشة الاقتراح قد تتم على مستوى الجمعية الوطنية، إلا أن فرص نجاحه تكاد تكون معدومة. العائق الأكبر يكمن في المادة 68 من الدستور الفرنسي التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين من أجل إقالة الرئيس.
بالإضافة إلى ذلك، يشير خبراء إلى أن دستور الجمهورية الخامسة الذي أقر عام 1958 وكتب على أساس نظام انتخابي تنتج عنه أغلبية واضحة، غامض بشأن المسار الذي يمكن اتخاذه في حال تعطل العمل البرلماني.
ماكرون برر رفضه لتعيين مرشحة الجبهة الشعبية لرئاسة الوزراء بضرورة الحفاظ على “الاستقرار المؤسساتي”، مما أثار المزيد من الجدل حول خطواته السياسية.
أزمة تشكيل الحكومة الفرنسية
و وفقاً لتقرير فرانس 24، بالنسبة لحزب “فرنسا الأبية”، فإن النجاح في إقناع الحزب الاشتراكي بدعم مناقشة فكرة عزل ماكرون يُعتبر مكسبًا سياسيًا، رغم علمهم بأن هذه الخطوة لن تؤدي في النهاية إلى إقالة الرئيس.
في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، عبّر جان لوك ميلنشون عن رضاه بقرار الحزب الاشتراكي، لكنه أدرك أن هذه الخطوة مجرد مرحلة أولى بلا فرصة حقيقية للتحقق على أرض الواقع.
رغم الأزمة السياسية العميقة التي أثارها قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء، تظل مسألة عزل ماكرون بعيدة عن التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
و الأسباب وراء ذلك تتمثل في العقبات الدستورية، وغياب الدعم الكافي من الأحزاب الرئيسية داخل البرلمان لهذه الخطوة. في هذا السياق يجعل عزل الرئيس أمرًا غير مرجح في المرحلة الحالية، على الرغم من تصاعد الاحتجاجات وضغط المعارضة اليسارية.
وتأتي كل هذه الاضطرابات على خلفية خطوة جريئة اتخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل حوالي شهرين بحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، في محاولة لتعزيز نفوذ فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي والقضاء على التطرف السياسي في الداخل، وفقاً لفرانس برس.
هذه الخطوة جاءت بعد الفوز التاريخي لليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات الأوروبية، والذي حقق فارقًا كبيرًا عن معسكر ماكرون الرئاسي.
إذ شلكت نتائج الانتخابات ضربة قاسية لماكرون، الذي وصل إلى السلطة في عام 2017 وأعيد انتخابه رئيسًا لفرنسا في 2022. رغم أن ولايته الحالية تستمر حتى عام 2027، إلا أن هذا التراجع الانتخابي يهدد طموحاته السياسية على الصعيدين الوطني والدولي، خصوصًا بعد فشله في السيطرة على البرلمان. ولا يستطيع ماكرون الترشح مجددًا للرئاسة بعد انتهاء ولايته.
و حل الجمعية الوطنية يُعدّ أداة دستورية مهمة بيد الرئيس، تُمكنه من تجاوز الأزمات السياسية والمؤسسية، خاصة عندما يحدث تباين بين الأغلبيتين الرئاسية والبرلمانية.
ويمكن اعتبار هذا الحل أيضًا نوعًا من الاستفتاء الضمني لقياس ثقة الناخبين. لكن رغم هذا، فإن خطوة ماكرون لم تؤتِ ثمارها هذه المرة، حيث زادت من حدة الأزمة السياسية بدلاً من حلها.
إعلان ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء، بعد دورة غير مسبوقة من المشاورات أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القوى السياسية الرئيسية، استمرت نحو شهرين بعد الانتخابات التشريعية المبكرة، التي فازت فيها الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف أحزاب اليسار) من دون تحقيق الغالبية في البرلمان.