سادت حالة من الارتباك على طلاب المدارس الدولية في مصر التي انطلقت فيها الدراسة رسمياً يوم 8 سبتمبر/ أيلول، بفعل القرارات التي اتخذها وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، بشأن تنظيم عمل قواعد الدراسة والامتحانات والتقويم بكافة المدارس التي يدرس بها وتمنح شهادات دولية أو أجنبية.
ترتب على تلك القرارات إرغام الطلاب على دراسة مناهج محلية متمثلة في اللغة العربية والتاريخ، وإضافتها للمجموع في جميع المراحل وصولاً لسنة الحصول على شهادة التعليم قبل الجامعي، وهو ما أحدث حالة من الغضب لم تهدأ وتيرتها بعد.
هجرة عكسية نحو التعليم الحكومي
قرارات وزير التعليم المصري التي تم اتخاذها قبل أيام قليلة من بدء الدراسة تسببت في أزمات عديدة مع انطلاق العام الدراسي الجديد. وبحسب مدير إحدى المدارس الدولية، فإنه مازال يواجه مشكلات في توزيع جداول الحصص لأن في أغلبها كانت مخصصة لتقوية الطلاب في المواد الرئيسية التي يدرسها طلاب الدبلومة الأميركية أو طلاب الشهادة البريطانية، وتتمثل في اللغة الإنجليزية والرياضيات، والآن سيتم إضافة نصاب حصص اللغة العربية والتاريخ وهي مواد لا تشكل إضافة للطلاب الذين يحصلون على شهادة دولية في مرحلة (البكالوريا) أو الثانوية العامة.
وأشار إلى أن أزمة قرارات الوزارة تتمثل في كونها ستخفض مستويات الطلاب المصريين لأن التركيز لم يعد منصباً على مجموعة محددة من المواد، وسوف تتسع دائرة الاهتمامات، لنبقى الآن أمام حلين إما أن نقلص حصص المواد الرئيسية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، وسيكون ذلك على حساب مستويات الطلاب، أو تقليص حصص الأنشطة في حين أنها تعد عاملاً مهماً في الإطار الرئيسي للمناهج الدولية، وفي كلا الحالتين فإن الطلاب تحديداً في المرحلة الثانوية سيواجهون صعوبات جمة، ومن المتوقع أن يترتب على ذلك هجرة عكسية إلى التعليم الحكومي أو المدارس الدولية الحكومية.
وأكد أن طلاب الشهادات الأجنبية يدرسون بالفعل اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية كمواد قومية لا تضاف إلى المجموع، وليس هناك مبرر لإرغام الطلاب عليها عبر إضافة درجات إضافية للمجموع النهائي لأن القيمة المعرفية تصل إليهم، ما يجعل هناك “أهداف خفية وراء القرار تتمثل في سد الباب أمام طلاب التعليم الدولي للالتحاق بالجامعات الحكومية مع عدم زيادة النسبة المقررة لهم وبذلك سيضطر الطلاب للالتحاق بجامعات خاصة أو أهلية والسفر للخارج”، بحسب قوله.
وتخصص الجامعات الحكومية نسبة 5% لطلاب الشهادات المعادلة للالتحاق بها، ومع احتمالات عدم قدرة الطلاب على تحصيل مجاميع مرتفعة بإضافة اللغة العربية والتاريخ، فإن دخول كليات القمة الآن أضحى من المستحيلات، بحسب ما يؤكده المصدر ذاته، والذي شدد على أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم تأسيس طلاب الشهادة الثانوية على دراسة المواد المضافة حديثًا، والامتحان فيها منذ بداية دخولهم التعليم الدولي.
“في حال لم يكن هناك أي مجال للتراجع عن هذه القرارات فإن ما يضمن حق الطلاب في الالتحاق بالجامعات الحكومية يتطلب زيادة النسب الممنوحة للشهادات المعادلة بما فيها الشهادات الدولية إلى جانب تغيير الأسس الخاصة بمعادلتها بالشهادات المصرية التي تدرس أيضًا اللغة العربية والتاريخ”، بحسب قول المصدر.
ونص قرار وزارة التربية والتعليم المصرية على أن تلتزم كافة المدارس المرخص لها داخل جمهورية مصر العربية بتدريس مناهج دولية أو أجنبية أو ذات طبيعة خاصة (دولية) بتدريس مادة اللغة العربية لمرحلة رياض الأطفال، كما تلتزم بتدريس مادتي اللغة العربية والتربية الدينية لطلاب الصفوف من الأول حتى الثالث أو ما يعادلها، كما تلتزم المدارس المشار إليها بتدريس مواد اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتربية الدينية من الصف الرابع وحتى الصف التاسع أو ما يعادلها، وذلك طبقًا للمنهج المطبق بالمدارس الرسمية المصرية في المراحل الدراسية المناظرة.
ونص القرار أيضًا على أن يكون مجموع درجات الطالب في نهاية كل صف دراسي مشتملًا على درجات مادتي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية المشار إليهما حال الالتزام بدراستهما معًا، بحيث تمثل كل منهما نسبة 10% من درجات المجموع الكلي للطالب، بجانب المواد التي يقوم بدراستها والامتحان بها، ليمثل مجموع درجات المادتين الدراسيتين سالفتي الذكر نسبة 20% من مجموع الدرجات التي يحصل عليها الطالب حال الالتزام بدراستهما معًا، وتضمن القرار التزام كافة المدارس المشار إليها في هذا القرار بتدريس مواد اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية في كافة المراحل التعليمية من الصف العاشر وحتى الصف الثاني عشر أو نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وذلك طبقًا للمحتويات الدراسية المحددة من قبل الوزارة.
تدخل مريب بلا منطق
وقالت نسرين محمد، ولية أمر أحد طلاب الدبلومة الأميركية، وهي الأكثر انتشاراً في مصر بين أنظمة التعليم الدولي، إن قرارات الوزارة الأخيرة تشكل تهديداً مباشراً لمستقبل الطلاب لأنه جرى إضافة مواد غير مطلوبة في الشهادة الأميركية ولا تدخل في مجموعها الكلي دون أي حوار أو تجهيز مسبق، مشيرة إلى أن القرار سوف يؤثر أيضًا على التحاق الطلاب بالجامعات الأجنبية التي يتجه البعض إليها، وأن هذه الجامعات لا تعترف بالمواد الإضافية غير المحددة ضمن الشهادات الدولية المعروفة حول العالم.
وأضافت أن وزارة التربية والتعليم المصرية قامت بالانقضاض على فلسفة التعليم الدولي القائم بالأساس على المهارات التي يكتسبها الطالب، كما أنها تزيد الضغط النفسي عليهم في حين أن التعليم الدولي يقوم على فكرة تمتع الطلاب بالتعليم وإتاحة مرات عديدة للاختبارات بعكس الثانوية العامة الحكومية التي تكون من فرصة واحدة فقط، كما أنها سوف تؤثر على مستواهم الأكاديمي لأن الطلاب سيكون عليهم دراسة 12 مادة بعد أن كانوا يدرسون 10 مواد في امتحانات الشهادة النهائية.
وتوقعت أن يلجأ العديد من الطلاب للدراسة بالخارج بدءاً من المرحلة الثانوية لأن القرارات لا تطبق على الطلاب المصريين المقيمين في الخارج، وهناك قناعة بين العديد من أولياء الأمور بأن الابتعاد عن التدخلات الحكومية في مجال التعليم الدولي أكثر إيجابية من البقاء في أوضاع تأخذ في التغير بين ليلة وضحاها دون معرفة أسباب ذلك أو دون دراسة أبعاد هذه القرارات، خاصة وأنها ستزيد تكاليف التعليم الدولي نتيجة لأن المواد المضافة سيكون أداؤها برسوم إضافية إلى جانب انتشار كورسات التأهيل في اللغة العربية والتاريخ ومصروفاتها مكلفة أيضًا.
وذهبت ميرنا سعيد ولية أمر إحدى الطالبات بالشهادة البريطانية، لتأكيد أن الأسر التي قررت تحويل أبنائها من التعليم الحكومي إلى الدولي خلال السنوات الماضية كان هدفها توفير أفضل نظام تعليمي لأبنائها، وتدفع مقابل ذلك مئات الآلاف من الجنيهات سنويًا، وليس من المنطق أن تتدخل الوزارة في هذا التعليم المرتبط بنظم التعليم الدولية وليس المحلية، مشيرة إلى أن كثرة المواد مع كثرة الامتحانات ستكون بمثابة خنق للطلاب وأولياء أمورهم، وإذا كان الهدف تحسين مستويات الطلاب فإنه يمكن توفير برامج مكثفة لهم في مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والابتعاد عن التدخل في الشهادة النهائية التي تؤهل للجامعة.
الطلاب أسرى للتخريب
وشدد أحد أولياء الأمور على أنه أضحى من المستحيل أن يحقق الطلاب نتائج مرتفعة أسوة بأقرانهم في بقية دول العالم وستكون المنافسة صعبة للالتحاق بالجامعات الحكومية والدولية في آن واحد، ولن يكون من المنطقي أن يحصل الطالب على 100% في اللغة العربية مثلاً في حين أنه لم يتم تأسيسه فيها بالشكل السليم، لافتًا إلى أن طلاب المدارس الدولية سيكونون أسرى لتخريب مناهج الشهادات الدولية في ظل توقعات بإدخال تعديلات عليها لتتماشى مع أعداد المواد التي سيتم تدريسها، وهو ما سيضر بمستقبل الطلاب المصريين الذين يسعون للحصول على تعليم عالمي.
ووجَّه أولياء الأمور استغاثة للرئيس عبد الفتاح السيسي لإلغاء القرار، نظرًا لصعوبة التعليم الدولي، حيث يدرس الطلاب بالنظام البريطاني خلال السنوات الثلاث 8 مواد أساسية بجانب مادتي مستوى متقدم، بعدد 10 مواد للالتحاق بالجامعات المصرية، وبعد القرار الوزاري الأخير سيدرس الطلاب 12 مادة مقارنة بقرار إعادة هيكلة الثانوية العامة ودراسة 5 مواد أساسية فقط للتخفيف عن كاهل الأسرة المصرية، وهو ما يجعل الطلاب يشعرون بالظلم وعدم المساواة.
وتساءل خبير تربوي متخصص في مناهج المدارس الدولية ومستشار سابق بوزارة التربية والتعليم، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، عن كيفية اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل الطلاب من رأس الهرم التعليمي في المرحلة الثانوية دون الاستعداد لها بشكل جيد منذ الصفوف الابتدائية، مشيرًا إلى أنه لا يعقل أن يكون طالب بالصف التاسع مر بأكثر من 9 مراحل تعليمية في المدارس الدولية، ويطلب منه فجأة أن يمتحن مواد الهوية وتدخل ضمن المجموع وهو غير مؤهل لذلك بالمقارنة بالطالب في المدارس الحكومية والخاصة التي تدرس المناهج من مراحل ما قبل التعليم الابتدائي وتولى لها الاهتمام الكامل.
وأكد أن إرغام الطلاب على دراسة مادة أدبية وهي التاريخ للقطاع الطبي والهندسي بالتعليم الدولي أمر غير منطقي ولا يوجد في أي نظام تعليم بالعالم بما فيها النظام المصري وبالتالي هناك ازدواجية في المعايير بين طلاب الشهادات والطلاب المصريين، وأن هذه التعديلات من شأنها أن تضر بالاستثمارات الكبيرة في قطاع التعليم الخاص والدولي ودفع الطلاب للتحويل إلى التعليم الحكومي مما يزيد الضغط عليه، كما أنها تضيف عبئًا على طلاب التعليم الدولي الذين يدرسون مواد الهوية ويعرفونها جيدًا.
وأشار إلى أن نظام التعليم المصري على خلاف دول كثيرة يتضمن أنماطًا عديدة من التعلم ويتمتع كل نوع من المدارس بمناهج وإمكانات وطرق تعليم تختلف من نمط لآخر، مما يؤدي لوجود اختلافات جوهرية في أنماط تفكير وشخصية الطلاب من خريجي تلك المدارس رغم أنهم كلهم مصريون، وهذا قد يكون له تأثيرات سلبية في تماسك المجتمع، الأمر الذي يقود لحالة الارتباك الحالية التي قد تدفع الطلاب للتنقل بين أنظمة مختلفة من التعليم وسوف ينعكس ذلك على مستوياتهم التعليمية نتيجة اختلاف فلسفات ومناهج التعلم من نمط لآخر.
ولفت إلى أن المدارس الدولية تواجه أزمات توفير عدد كاف من معلمي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية الأكفاء لأنها فوجئت بالقرارات قبل أقل من 10 أيام على بدء الدراسة، خاصة تم تطبيقه خلال العام الحالي على جميع الصفوف حتى الصف التاسع، بخلاف أن الطلاب في الصفوف المختلفة لم يتم تدريبهم بشكل كاف على تلك المقررات منذ سن مبكرة، خاصة أنها تتطلب لفهمها في أي سنة دراسية تمكن الطالب من المعلومات المتصلة بها في سنوات سابقة.
سبوبة لصالح الجامعات الخاصة
من وجهة نظر المصدر ويتفق معه الكثيرون من خبراء التعليم بينهم مستشار سابق لوزارة التعليم أن الدافع الرئيسي لقرار الـ20% هو “السبوبة” وليس الهوية، أولا: المادتين سيكون لهما رسوم دراسية عالية تدخل خزينة الوزارة أسوة برسوم مواد الإنترناشيونال فضلًا عن تشغيل أكبر عدد ممكن من مدرسين العربي والتاريخ في تلك المدارس والسناتر برواتب خيالية.
ثانيا: الترويج للمدارس الرسمية الدولية التي تحظى برعاية الدولة لكنها تشهد عددًا من المشكلات التعليمية والتربوية جعلت من المدارس الدولية منافسًا قويًا لها.
ثالثًا: وهذا هو الأهم الإقبال الضعيف على الجامعات الأهلية والخاصة ولا تستطيع وزارة التعليم العالي منع الطلاب المصريين الحاصلين على الشهادات الدولية من دخول الجامعات الحكومية أو إلغاء نسبة 5% وإلا ستحدث ثورة من أولياء الأمور، لكن مع القرار الحالي سيصعب على الطالب الحصول على 100% وبالتالي لن يدخل الطلاب المصريون جامعات مصرية عريقة كطب القصر العيني أو طب عين شمس وسيتوفر أماكن بتلك الجامعات للطلاب الوافدين من الدول الأخرى ويدفعون المصروفات بالدولار ودائمًا ما يشتكي المصريون أنهم يحصلون على أماكنهم وبمجاميع 70% والنتيجة النهائية سيجبر الطلاب المصريون على الجامعات الخاصة والأهلية و”كله بالقانون”.
إهمال المواد القومية
وتتراوح شرائح مصروفات التعليم الدولي في مصر من 30 ألف جنيه كحد أدنى وتصل إلى 500 ألف جنيه، وتعد المدارس الدولية أو ما يطلق عليها في مصر بـ”الإنترناشونال” مدارس خاصة، تطبق منهجًا دوليًا معترفًا به عالميًا، ومعتمدًا من وزارة التربية والتعليم المصرية، ولها نظام امتحانات خاص بها يختلف عن نظام الامتحانات المصري، والوزارة ليس لها علاقة بنظام الامتحانات بهذه المدارس أو الحق في تغييره، إلا فيما يتعلق بالمواد القومية (اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ).
وقال مصدر حكومي مطلع إن القرارات الأخيرة تهدف لترسيخ اللغة الأم لدى الطلاب الذين يدرسون اللغة الإنجليزية بكثافة في المقررات الدراسية، كما أن تعامل المدارس الدولية بقدر من الإهمال مع المواد القومية باعتبارها لم تكن تدخل في المجموع كان دافعًا نحو التدخل لضبط الأمور، إذ أن الطلاب تغيب عنهم أي صلات بلغتهم الأم في الوقت الذي يتم فيه تدريس لغات وحضارات أجنبية مهمة أيضًا لكن بجانب المصرية، كونها تعد امتدادًا ثقافيًا لهم.
وأضاف المصدر ذاته، أن المقارنة بالتعليم الحكومي ظالمة لأن مقررات التعليم الثانوي الحكومي أكثر صعوبة من نظيرتها الدولية بخاصة الدبلومة الأميركية، ويمكن أن تعادل المادة الواحدة في شهادة البكالوريا المصرية ما يقرب من ثلاث مواد بالنسبة للتعليم الأجنبي، كما أن العديد من الدول العربية ودول غرب وشرق آسيا تولي اهتمامًا بالمواد القومية وتقوم بإدخالهم ضمن المجموع ولا تواجه هذه القرارات نفس الاعتراضات التي تحدث حاليًا في مصر.
وذكر أن القرار يأتي استنادًا للقانون المصري، والمادة 24 من الدستور، التي تنص على تدريس اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني بكل مراحله كمواد أساسية في التعليم قبل الجامعي الحكومي والخاص، مع عمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة، وأن وزارة التربية والتعليم مسئولة عن إدارة التعليم قبل الجامعي في مصر، وهي التي تصدر التراخيص للمدارس الأجنبية للعمل في مصر.