باتت ملاعب كرة القدم واحدة من أهم العوامل التي تفتخر الأندية بامتلاكها، خاصة تلك التي تتميز بتصميمها الهندسي المذهل والسعة الجماهيرية والخدمات التي تقدمها للأنصار سواء على المدرجات أو في المرافق، ومن بين هذه الأمور حتماً الأرضية العشبية الممهدة والخلابة.
لكن في حقيقة الأمر لم تكن ملاعب كرة القدم منذ نشأتها في منتصف القرن التاسع عشر على الشكل الذي نراه حالياً، فهو أحد عناصر اللعبة التي تطورت بشكل ملفت، حيث بدأت من الملاعب ذات الأرضية الموحلة ثم الأراضي غير المستوية وصولاً إلى الملاعب ذات الأرضية العشبية المصممة باهتمام كبير وخبرة ودراسة.
أرضيات ملاعب كرة القدم
وفي هذه السطور يسلّط عربي بوست الضوء على مراحل تطوّر أرضيات ملاعب كرة القدم، التي أصبحت حالياً ما أشبه بقلاع هندسية.
الملاعب المبكرة
بدأت ممارسة كرة القدم على أرضية غير مستوية، وفي كثير من الأحيان تكون مغطاة بالطين، وعليه يمكن اعتبار اللعب في تلك الظروف خطيرًا على اللاعبين، فأي سقوط وأي التحام يسبب خدوشًا أو جروحًا على أقل تقدير.
كما يصعب على اللاعب التحكم بالكرة والسيطرة عليها، حتى تمريرها إلى الزميل ووصولها له لم يكن أمرًا يسيرًا.
ولعل أحد أهم أسباب ذلك هو بدائية اللعبة، وعدم وجود لوائح وقوانين تضبطها، وبالتالي لم يكن هناك مواصفات محددة لملعب كرة القدم ولا قياسه ولا أبعاده، حيث كانت تُلعب فقط داخل سور حديدي أحيانًا يكون شائكًا مع وجود قوائم للمرمى.
بقي الحال على ما هو عليه حتى عام 1863، وفيه حدد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أبعاد الملعب للمرة الأولى، على أن يكون بطول 200 ياردة (183 مترًا) في حين أن الحد الأقصى للعرض سيكون 100 ياردة (91 مترًا)، أما في كرة القدم الحديثة فطول الملاعب يتراوح بين 90 إلى 120 مترًا، أما عرضها من 45 إلى 90 مترًا.
ظهور الأرضية العشبية وتطور الملاعب
أدت العديد من التغييرات المهمة إلى ظهور ملاعب كرة القدم بشكل أنيق ومخطط، بدءًا من استخدام العشب الطبيعي مرورًا بطلاء الأرضية عبر تحديد الخطوط ووضع علامات على العشب مثل نقطة المنتصف ونقطة تنفيذ ضربة الجزاء وحدود منطقة المرمى والراية الركنية، وصولاً إلى استخدام التكنولوجيا في تنظيم الرطوبة والحرارة حتى لا تتأثر الأرضية العشبية سلبًا بالظروف المناخية المختلفة.
وعرفت ملاعب كرة القدم التطورات التكنولوجية عام 1958 باعتماد نظام التدفئة، كما حدث في ملعب غوديسون بارك معقل إيفرتون حيث وُضعت تحت أرضيته أسلاك لمنع تجمد أرضية الملعب، بتكلفة وصلت إلى 16 ألف جنيه إسترليني، وعلى الرغم من التكلفة العالية إلا أن هذه التقنية كانت فعّالة للغاية.
وبعد عامين من ذلك، ظهر الجيل الأول من العشب الطبيعي المكون من ألياف نايلون صلبة مثبتة على قواعد أسفلتية أو خرسانية، وبعد عدة تعديلات عرفت الأندية الإنجليزية الجيل الثاني من هذا العشب.
أما الملاعب الحديثة فتستخدم مزيجًا من العشب الطبيعي والعشب الصناعي بنسبة 97% للأول و3% للثاني تمامًا كما هو الحال في ملعب بارك دي برانس في العاصمة الفرنسية باريس، وهي عوامل مفيدة لأرضية الملعب تساعدها على الاحتفاظ بالرطوبة بالدرجة المطلوبة إلى جانب متانة الألياف الصناعية.
ويتم ذلك عبر دمج نسبة صغيرة من ألياف البولي إيثيلين في العشب الطبيعي؛ تصبح الأرضية بعدها أكثر متانة دون أن تتأثر بأي من العوامل الجوية أو درجة الحرارة، كما تكون أقل عرضة للتلف الناتج عن مسامير أحذية اللاعبين.
وإلى جانب ذلك تخضع الملاعب لـ صيانة دورية للحفاظ على جودتها ورونقها، حيث تخصص الأندية والاتحادات الوطنية طواقم خاصة من أجل هذه المهمة، بالإضافة إلى معدات مثل آلات وضع العلامات على العشب أو آلات جز العشب.
ولعل أحد أهم التحديات التي واجهت الملاعب ذات الأرضية العشبية هو سقوط الأمطار بغزارة مما يعطّل دوران الكرة ليُصعِّب على اللاعبين التحكم فيها والسيطرة عليها بالشكل المطلوب، وقد يتسبب بانزلاقهم أيضاً وبالتالي تعرضهم لخطر الإصابة، لكن تم التغلب على هذه النقطة عبر وجود تقنية تصريف المياه، التي باتت موجودة في غالبية الملاعب خاصة في أوروبا.
العشب الصناعي
مع بداية الألفية الجديدة حظيت الملاعب ذات العشب الصناعي باهتمام كبير حيث كثر الاعتماد عليها في كثير من الدول أبرزها إنجلترا، حتى اعتمدها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” بشكل رسمي.
ففي ثمانينات القرن الماضي بدأت الأندية الإنجليزية بخوض مبارياتها على أرضية معشبة صناعيًا، وكان فريقا كوينز بارك رينجرز ولوتون تاون أول ناديين يستضيفان مباريات على مثل هذه الأرضية وذلك في دوري الدرجة الأولى، وفي الدرجات الأدنى كرّر فريقا أولدهام أثليتيك وبريستون نورث إند الأمر ذاته.
وفي عام 2003 أطلق “يويفا” مشروعًا لتصميم ملاعب مفروشة بالعشب الصناعي، وبعدها بثلاث سنوات أُقيمت أول مباراة رسمية على ملعب صناعي، وكان ذلك في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا حينها استضاف سبارتاك موسكو ضيفه سبورتنغ لشبونة في ملعب لوجنيكي.
وتتكون ألياف العشب الصناعي من مواد مثل النايلون أو البولي بروبيلين أو مزيج من الاثنين معًا، وذلك من أجل محاكاة شكل وملمس العشب الطبيعي.
ومن إيجابيات اللعب على العشب الصناعي أن الأرضية تكون أكثر متانة من العشب الطبيعي لتحمل ضغط المباريات طوال الموسم بغض النظر عن الظروف الجوية، كما أنه يتطلب صيانة أقل حيث أنه لا يحتاج إلى ريها بالماء أو قصها أو تسميدها وهذا يجعلها خيارًا أكثر فعالية من حيث التكلفة على المدى الطويل.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن العشب الصناعي لاقى انتقادات عديدة من اللاعبين، خاصة أن كثيرين منهم يرون أن دوران الكرة غير جيد كالعشب الطبيعي، بالإضافة إلى ارتفاع احتمالية تعرضهم للإصابات.