الأخبار

لماذا طردت روسيا دبلوماسيين بريطانيين، وما تداعيات هذه الخطوة؟

أعلن جهاز الأمن الاتحادي الروسي، يوم الجمعة، طرد 6 دبلوماسيين بريطانيين من موسكو بعد اتهامهم بالضلوع في أنشطة تجسسية، وذلك قبل ساعات من اجتماع مرتقب بين رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، والذي يأتي ضمن إطار تنسيق الجهود الغربية لاستخدام كييف صواريخ بعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا.

وصرح أحد موظفي جهاز الأمن الاتحادي الروسي، وهي المؤسسة التي خلفت جهاز المخابرات السوفيتية السابق (KGB)، لقناة “روسيا 24” أن بريطانيا لم تستجب لتحذيرات روسيا بشأن أنشطتها الاستخباراتية، مضيفًا: “لم يفهم الإنجليز تلميحاتنا، لذلك قررنا البدء بطرد هؤلاء الستة”.

ووفقًا لبيان جهاز الأمن، فإن روسيا تمتلك وثائق تشير إلى أن وزارة الخارجية البريطانية، وتحديدًا القسم المسؤول عن أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، تنسق جهودًا تهدف إلى “تصعيد الوضع السياسي والعسكري”، بهدف ضمان هزيمة روسيا استراتيجياً في حربها مع أوكرانيا.

وأشار الجهاز أن وزارة الخارجية الروسية ألغت اعتماد 6 أعضاء من القسم السياسي بالسفارة البريطانية في موسكو، بناءً على الوثائق، ورداً على الخطوات العديدة غير الودية التي اتخذتها لندن، فيما أعلن التلفزيون الرسمي الروسي أسماء الدبلوماسيين الستة، وعرض صوراً لهم.

وفي تعليقها على الحدث، نقلت وكالة “تاس” عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اتهامها السفارة البريطانية بتجاوز الأعراف الدبلوماسية، مشيرة إلى أن أنشطتها تهدف إلى الإضرار بالشعب الروسي.


هل الخطوة تصعيد نحو حرب مباشرة مع حلف الناتو؟

تأتي خطوة روسيا بطرد الدبلوماسيين البريطانيين قبل ساعات من المحادثات المقررة في واشنطن بين رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأميركي جو بايدن، التي تهدف إلى مناقشة استخدام كييف لصواريخ بعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا. هذه الخطوة تشكل جزءًا من جهود غربية متزايدة لدعم أوكرانيا في حربها ضد موسكو.

وفي تطور مقلق، قد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس، 12 سبتمبر/أيلول، من أن سماح الغرب لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي سيغير “طبيعة ونطاق” الصراع. وأكد بوتين أن هذا التصعيد يعني تورط الغرب في “قتال مباشر” مع روسيا، ما يزيد من احتمالات المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو.

فعلى مدى الشهور الماضية، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرارًا من حلفائه الغربيين السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ متطورة مثل أنظمة “أتاكمز” الأمريكية وصواريخ “ستورم شادوز” البريطانية لضرب أهداف داخل روسيا، وذلك بهدف تقليص قدرة موسكو على شن هجمات.

وفي واحدة من أشد تعليقاته حدة في هذا الشأن حتى الآن، قال بوتين إن مثل هذه الخطوة ستجر البلدان التي تمد كييف بصواريخ بعيدة المدى مباشرة إلى الحرب، خاصة وأن بيانات تحديد الأهداف عبر الأقمار الصناعية والبرمجة الفعلية لمسارات تحليق الصواريخ لابد أن يقوم بها عسكريون من حلف شمال الأطلسي في ضوء افتقار كييف للقدرات اللازمة لتنفيذ ذلك بمفردها.

في المقابل، رفضت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون هذه التهديدات الروسية. وردًا على تصريحات بوتين، أكد كير ستارمر أن غزو روسيا لأوكرانيا غير قانوني، وأن لأوكرانيا الحق في الدفاع عن نفسها. وأضاف ستارمر: “نحن لا نسعى إلى أي صراع مع روسيا. هذه ليست نيتنا، لكن روسيا بدأت هذا الصراع، وأوكرانيا لها الحق في الدفاع عن نفسها”.


بينما حاول رئيس الوزراء البولندي السابق دونالد توسك تهدئة المخاوف بشأن تهديدات بوتين، مشيرًا إلى أنها قد تكون مجرد محاولة لتخويف الغرب.

أما بالنسبة لموافقه الرئيس الأمريكي جو بايدن، فوفقًا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الثلاثاء الماضي،  أن الولايات المتحدة تدرس رفع القيود على تسليح أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، وقال: “نحن نعمل على ذلك الآن”.

تتزايد النقاشات داخل الإدارة الأميركية بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى لاستهداف عمق روسيا، وهي قضية قيد المناقشة منذ فترة طويلة ولكنها بلغت ذروتها الآن، خاصة مع أول زيارة رسمية لرئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، إلى البيت الأبيض.

أشارت بريطانيا بالفعل إلى رغبتها في السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ “ستورم شادو” بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية روسية بعيدة عن الحدود الأوكرانية، لكنها تسعى للحصول على إذن صريح من الرئيس الأميركي جو بايدن. الهدف هو تنسيق استراتيجية موحدة مع الولايات المتحدة وفرنسا، التي تصنع صواريخ مماثلة. بينما لم يتخذ بايدن قرارًا نهائيًا بعد، من المتوقع أن يستمع بعناية إلى موقف ستارمر خلال اجتماعهما.

في حال وافق بايدن على هذه الخطوة، فوفقاً لصحيفة واشنطن بوست، فإن ذلك قد يساعد أوكرانيا في الحفاظ على مكاسبها العسكرية، كما حدث خلال توغلها المفاجئ في منطقة كورسك الروسية. ومع ذلك، يبدي الرئيس الأميركي ترددًا في السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب الأراضي الروسية، خاصة بعد تحذيرات وكالات الاستخبارات الأميركية من أن روسيا قد ترد بتعاون أوسع مع إيران، بما في ذلك استهداف القوات الأميركية في الشرق الأوسط.


فمنذ بدء الحرب، وضع الكرملين عدة خطوط حمراء، مثل تزويد كييف بطائرات “إف-16” أو شن هجمات على الأراضي الروسية. لكن، تم تجاوز هذه الخطوط دون أن تسفر عن عواقب كبيرة، وفقاً للصحيفة.


هل موافقة بايدن قد تغير الحرب؟

لكن يوم الجمعة 13 سبتمبر/ أيلول، وفي أعقاب ردود كل من كير ستارمر ودونالد توسك، سعى المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى تعزيز تحذيرات الرئيس فلاديمير بوتين من تداعيات السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد روسيا. وفي تصريحاته خلال مؤتمر هاتفي دوري مع الصحفيين، أكد بيسكوف أن تحذير بوتين بشأن استخدام هذه الصواريخ يجب أن يُؤخذ على محمل الجد.

و أشارت صحيفة كوميرسانت الروسية اليومية أيضًا إلى أن بوتن كان جادًا هذه المرة. وفي مقال بعنوان “فلاديمير بوتن يرسم خطه الأحمر”، ذكرت كوميرسانت أن مثل هذه الضربات ستصنف على أنها ضربات حلف شمال الأطلسي ضد روسيا.

وأفادت صحيفة كوميرسانت: “في السابق، قال المسؤولون الروس، بما في ذلك فلاديمير بوتن نفسه، مرارًا وتكرارًا أن دول حلف شمال الأطلسي متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، لكن هذه هي المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الموضوع بهذا القدر من الوضوح والحزم، حيث شددت على أن بوتين أرسل رسالة قاسية لا لبس فيها حول خطورة الأمر.”

من جانبها، اتهمت الحكومة البريطانية في بيان أصدرته قبل اجتماع البيت الأبيض روسيا بتصعيد الحرب بشكل كبير، وخاصة من خلال استيراد الصواريخ الباليستية الإيرانية لاستخدامها في الهجمات ضد أوكرانيا. ووصفت الحكومة البريطانية هذا التصعيد بأنه “خطير”، وقالت إنه يعزز قدرة بوتين على مواصلة “حربه غير القانونية”.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فبحسب تقرير لصحيفة النيويورك تايمز، كان تقييم مدى جدية تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشكل تحديًا مستمرًا، فقد أظهر الرئيس الأميركي جو بايدن على مدار 31 شهرًا من الحرب تردده في تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة خوفًا من تجاوز “الخطوط الحمراء” التي حددها بوتين. في كل مرحلة من الحرب، كان بايدن قلقًا من أن إرسال أسلحة جديدة أو السماح للجيش الأوكراني بشن هجمات على الأراضي الروسية قد يؤدي إلى تصعيد خطير.

لماذا طردت روسيا دبلوماسيين بريطانيين، وما تداعيات هذه الخطوة؟

في خلال الأشهر الأولى من الحرب، كان بايدن مترددا في توفير مدفعية HIMARS لأوكرانيا، ثم دبابات M1 Abrams، وطائرات مقاتلة من طراز F-16 وصواريخ ATACMS قصيرة المدى ثم طويلة المدى. ولكن في كل حالة، عندما اكتشفت الإدارة أن السيد بوتن بدا أقل حرصًا على تصعيد الحرب مما كان يعتقد في البداية، فقد خففت من القيود.

ففي الربيع، وللمرة الأولى، وافق السيد بايدن على السماح لأوكرانيا بإطلاق النار على المدفعية الروسية وغيرها من الأهداف عبر الحدود الروسية، لتجنب منح قوات بوتن ملاذًا لمهاجمة المدن والبلدات حول خاركوف. وقد تم توسيع هذا الإذن لاحقًا. لكن ضرب المناطق الحدودية هو في الأساس عملية دفاعية.

لكن كبار المسؤولين في البيت الأبيض يقولون إن القلق لا يزال قائما بشأن استخدام نظام الدفاع الصاروخي الأميركي ATACMS لضرب أكثر من 60 ميلا داخل روسيا.

فوفقاً لنيويورك تايمز، في إحاطات سرية، أعرب مسؤولون استخباراتيون أميركيون عن مخاوف أعمق بشأن المشاركة الأميركية المباشرة والمرئية في تحرك أوكرانيا للاستيلاء على مواقع بالقرب من كورسك والاحتفاظ بها.

وحذروا من وجود مؤشرات على أن روسيا قد تقدم مساعدة تكنولوجية تسمح لإيران وقواتها بالوكالة بمهاجمة القوات الأميركية في الشرق الأوسط. وقد واتهمت الإدارة هذا الأسبوع إيران بشحن صواريخ لأول مرة إلى روسيا لاستخدامها في الحرب، وهو الاتهام الذي نفته الحكومة في طهران.

لكن ذكرت الصحيفة أيضاً في نفس التقرير، أنه في سلسلة من الاجتماعات مع كبار المسؤولين في الإدارة في الأسابيع الأخيرة، كان المسؤولون الأوكرانيون يزعمون أن استيلائهم على أراض فعلية داخل روسيا يثبت أن المخاوف الأميركية من تجاوز الخطوط الحمراء الروسية مبالغ فيها. ويزعم هؤلاء المسؤولون الأوكرانيون أن الولايات المتحدة يجب أن تسمح لكييف باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب عمق أكبر في روسيا.

وقد ذكر التقرير، أنه بالنسبة لعدد متزايد من المحللين العسكريين والمسؤولين الأميركيين السابقين، فإن تحفظ الإدارة لا معنى له، خاصة وأنهم يقولون إن توغل أوكرانيا في كورسك لم يثير بعد رد فعل تصعيدي من موسكو.

بينما يرى وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن في بأن استخدام الأسلحة الأميركية لشن ضربات بعيدة المدى على روسيا لن يقلب مجرى الحرب، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود ما يكفي من أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي المضادة للسفن – أو الصواريخ البريطانية والفرنسية – لدعم الهجوم.