الأخبار

ما هي قصة أزمة المصرف المركزي الليبي، وما هو دور القوى الإقليمية فيها؟

تصعيد جديد يشهد الوضع السياسي في ليبيا عقب إجراءات “الخنق الاقتصادي” التي اتخذها محافظ البنك المركزي الليبي، الصِّديق الكبير، تجاه حكومة الدبيبة، بعد قرار حكومة الوحدة بإزاحة “الكبير” من المشهد.

ومثلت هذه التطورات قمة جبل جليد من تحركات ليبية مدعومة من أطراف إقليمية تستهدف الإطاحة بحكومة الدبيبة، وإعادة ترتيب المشهد الليبي. وتبدو فرص استمرار حكومة الوحدة الوطنية محدودة، في ظل تراجع تحالفاتها الداخلية والدعم الدولي.

منصة أسباب المتخصصة في الدراسات السياسية والاستراتيجية رصدت في تقرير تداعيات هذه التطورات على المشهد داخلياً وخارجياً.

وبحسب أسباب يمكن النظر لأزمة المصرف المركزي من زاوية الأحلاف الإقليمية الأوسع. إذ إن التحالف الطارئ بين “بالقاسم حفتر” ورئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” من جهة، ومحافظ البنك المركزي “الصديق الكبير” ورئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري”، من جهة أخرى، يمثل القاهرة أكثر من أي طرف خارجي آخر.

في المقابل؛ فإن الحلف المتشكل منذ صفقة المؤسسة الوطنية للنفط بين “صدام حفتر” و”الدبيبة”، يمثل خط أبو ظبي التي تحاول عبر مجموعة من الصفقات المركبة الوصول إلى استقرار سياسي قائم على اتفاق حكومة الدبيبة مع صدام حفتر كطرف وشريك أساسي في المشهد، ما يقوي حظوظ الأخير في خلافة أبيه.


فيما تنظر الولايات المتحدة للمشهد الليبي بشكل يختلف عما كانت تنظر إليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ باعتبار أنه يتداخل مع قضايا أمن الطاقة وتمدد روسيا في دول الساحل والصحراء. على الأغلب، فإن أزمة المصرف المركزي ستكون فرصة لواشنطن لإعادة ترتيب المشهد السياسي، بما يضمن وقف التمدد الروسي وتحجيم نشاط الفيلق الأفريقي الروسي، بحسب أسباب.

ومن غير المتوقع أن تنتج الأطراف المحلية تسوية حقيقية، كالتوجه الرامي لإيجاد حكومة جديدة وتوحيد السلطة التنفيذية عبر اتفاق المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب. كما أنه من غير المرجح أن تصل الأطراف الإقليمية المعنية، تركيا ومصر والإمارات، لحالة تسوية تقود لوضع سياسي مستقر يحظى بالمشروعية. ويبدو السيناريو الأقرب هو الرعاية الدولية لحوار سياسي جديد، يفضي للاتفاق حول حكومة تمثل الأطراف الرئيسية في المشهد.


ماذا حدث؟

توصل ممثلون عن الهيئتين التشريعيتين في ليبيا، مجلس النواب في شرق ليبيا، والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، يوم الثلاثاء 3 سبتمبر/أيلول، لاتفاق مبدئي، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة للبنك المركزي الليبي بشكل مشترك في غضون 30 يومًا. ولا زالت المشاورات لم تحسم بعد، ومن المنتظر استمرارها في غضون هذا الأسبوع.

جاء الاتفاق على خلفية نزاع حول السيطرة على مصرف ليبيا المركزي تسبب في أسوأ أزمة منذ سنوات في ليبيا، أعادت شبح تجدد الحرب الأهلية.


وتفاقم الخلاف عندما تحركت فصائل من الغرب هذا الشهر للإطاحة بمحافظ البنك المركزي المخضرم، الصديق الكبير، مما جعل فصائل في الشرق تقدم على وقف إنتاج النفط بالكامل. ويحظر القانون الليبي المدعوم باتفاقيات دولية بيع النفط إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط، على أن تنتقل العائدات إلى مصرف ليبيا المركزي، كي تستخدم لتمويل رواتب موظفي الدولة والهيئات الحكومية في البلاد.

لكن خلافا نشب بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، و”الكبير” بشأن الإنفاق وقضايا أخرى، كنتيجة فيما يبدو لتقارب محافظ مصرف ليبيا المركزي مع منافسي الدبيبة الراغبين في الإطاحة بحكومته، بمن فيهم رئيس مجلس النواب في شرق ليبيا، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة المنتخب مؤخرا، خالد المشري.

ونتيجة لهذا الخلاف، أصدر المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، في 17 أغسطس/آب، قرارا يقضي بعزل محافظ البنك المركزي وتعيين مجلس إدارة جديد للمصرف، في منتصف الشهر الماضي، وهو القرار الذي قوبل برفض حاد من قبل مجلس النواب.

إعادة تشكل التحالفات المحلية: الدبيبة في مواجهة الكبير

تعد إجراءات “الخنق الاقتصادي” التي تعهدها محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، تجاه حكومة الدبيبة، هي السبب الأبرز في قرار التصعيد الحكومي المتمثل في إزاحة “الكبير” من المشهد، إذ اكتفى “الكبير” بصرف الباب الأول من الميزانية العامة، وهو باب المرتبات، ومنع صرف باقي الأبواب خصوصا باب التنمية، ما سبب شللا في عمل الحكومة وجعلها بمثابة حكومة تصريف أعمال عاجزة عن الحركة.

مثلت هذه التطورات قمة جبل جليدي من تحركات ليبية مدعومة من أطراف إقليمية تستهدف الإطاحة بحكومة عبد الحميد الدبيبة، وإعادة ترتيب المشهد الليبي. وهكذا تفاقمت الخلافات بين الدبيبة والكبير، طوال العام الجاري، ثم تطورت لمرحلة كسر العظم بقرارات المجلس الرئاسي، والتي جاءت أيضا ردا على قرار مجلس النواب بسحب صلاحيات القائد الأعلى من المجلس الرئاسي، والتصويت على إنهاء ولايته وحكومة الوحدة. ومن ثم؛ فإنّ التقارب بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة يعد طارئا وغير متسق مع سياق الثلاثة أعوام الماضية.

لا تتمتع قرارات المجلس الرئاسي بأساس قانوني كاف؛ إذ لا تخوله صلاحياته، بحسب الاتفاق السياسي الليبي، البت بأي حال في تسمية أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي، ولا اعتمادهم، ولا حتى التشاور حولهم. وهو ما أظهره رفض المحافظ المكلف من قبل المجلس الرئاسي، محمد عبد السلام شكري، استلام منصبه لعدم قناعته بسلامة الإجراءات من الناحية القانونية، فضلا عن اضطرار أعضاء المجلس المعين من الرئاسي إلى اقتحام مبنى المركزي.


ومع هذا؛ فإن المجلس الرئاسي يستهدف فرض واقع لصالح الحكومة باعتبار أن الحالة الليبية تسمح بممارسة الأمر الواقع، خصوصا بعد أن باتت الحكومة في وضع أضعف إثر فوز “خالد المشري” بانتخابات المجلس الأعلى للدولة، وخسارة حليف الحكومة “محمد تكالة”. أي أن استهداف المصرف المركزي بقرارات الرئاسي هو محاولة لضرب مثلث التحالف الناشئ بين عقيلة صالح، وخالد المشري، والصديق الكبير.

كادت إجراءات المجلس الرئاسي أن تشعل حربا طاحنة في العاصمة طرابلس لولا اتفاق جرى على الأرض بين القوى غير المتحمسة لتحويل طرابلس إلى ساحة معركة، ما نتج عنه ترتيبات أمنية جديدة سحبت قوات الردع الخاصة على إثرها تمركزاتها من أمام كل من المصرف المركزي والمجلس الأعلى للدولة، لتحكم الحكومة قبضتها عليهما وتقتحم المصرف المركزي، كما اقتحمت جلسة المجلس الأعلى للدولة المنعقدة في أحد قاعات فندق المهاري بطرابلس، ما يعني أن حكومة الدبيبة قررت فرض الأمر الواقع على المؤسسات غير الطيعة لسلطانها في العاصمة.

أحاط “الكبير” نفسه بحزام أمني كثيف قوامه قوات الردع الخاصة وقوات من مدينة الزاوية، إلا أن الخناق قد ضاق عليه بعد قرار المجلس الرئاسي ما أدى لخروجه من البلاد رفقة عدد من مدراء الإدارات الرئيسية في المصرف؛ للحد من فرص مجلس الإدارة الجديد من التحكم الكامل في عمليات المصرف.

كما سعى “الكبير” لتأزيم وضع مجلس الإدارة المكلف من قبل المجلس الرئاسي عبر خطوات، أولها رفض استقبال لجنة التسليم والاستلام دون بلاغ رسمي من مجلس النواب ومعتمد من مجلس الدولة، ثم خطاباته المنشورة الموجهة للنائب العام على خلفية الاحتجاز التعسفي لموظفي المصرف من قبل جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة.

أضعفت هذه البيانات من موقف الحكومة، خاصة بعد بينات البعثة الأممية والمبعوث الأمريكي الخاص لليبيا، مما أحبط توجه الحكومة الجامح نحو مسار أكثر حدة يشمل إعلان حالة الطوارئ وحل مجلس الدولة ومجلس النواب حسب تسريبات صحفية.

ويعد الحليف الأبرز للمحافظ “الكبير” في مواجهة حكومة الدبيبة، هو رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح”، ومن خلفه “بالقاسم حفتر”. وقد ساهم هذا الحلف في زيادة تأزم وضع مجلس إدارة المركزي المعين من قبل الرئاسي، عبر إقفالات النفط التي رفعت من سعر النفط عالميا بنسبة 3%.

ظلال المصالح الإقليمية: مصر والإمارات وتركيا

يمكن النظر لأزمة المصرف المركزي من زاوية أوسع، وهي زاوية الأحلاف الإقليمية باعتبار خلافات الطرفين المتجابهين في قضية المصرف المركزي تمثل خطين إقليميين بعينهما؛ إذ إن التحالف الطارئ بين “بالقاسم حفتر” ورئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” من جهة، ومحافظ البنك المركزي “الصديق الكبير” ورئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري”، من جهة أخرى، يمثل القاهرة أكثر من أي طرف خارجي آخر.

في المقابل، فإن الحلف المتشكل منذ صفقة المؤسسة الوطنية للنفط بين “صدام حفتر”، و”إبراهيم الدبيبة” (ابن شقيق رئيس الحكومة ومستشاره السياسي)، وفرحات بن قدارة، يمثل خط أبو ظبي بشكل واضح، وبالإشارة إلى مشكلة المركزي فإن مجلس الإدارة المكلف من قبل الرئاسي يمثل هذا الخط بشكل واضح عبر اقتسام أعضاء مجلس الإدارة.

ويعد موقف الإمارات متقدما في طرابلس في ملف المؤسسة الوطنية للنفط، وتحاول عبر مجموعة من الصفقات المركبة، في ملف المصرف المركزي وترتيبات أمنية وعسكرية، الوصول إلى استقرار سياسي في المشهد الليبي قائم على اتفاق حكومة الدبيبة مع صدام حفتر كطرف وشريك أساسي في المشهد، ما يقوي حظوظ الأخير في خلافة والده بناء على الملفات التي يملك زمامها.


من جانب آخر؛ فإن القاهرة تفضل التعامل مع “بالقاسم حفتر” الشقيق الأكبر لصدام، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذي يمسك بزمام العلاقة مع القاهرة بجدية عكس صدام متعدد الخطوط والعلاقات الدولية، والتي تجعل قدرته على المناورة أعلى والتزامه بالسياسات والتوجهات المصرية أقل جدية. كما تفضل القاهرة الانفتاح على شريك في المنطقة الغربية هو أطوع من حكومة الدبيبة التي تمر علاقتها بالقاهرة بأزمة حادة.

أدركت القاهرة آثار علاقة الإمارات بخليفة حفتر في الملف السوداني، إذ يوفر “حفتر” إمدادات لقوات الدعم السريع المناوئة للقوات المسلحة السودانية حليفة القاهرة في الخرطوم، كما تدرك القاهرة أن تعدد علاقات “حفتر” الخارجية أكسبه قدرة واسعة على المناورة، تتمثل بالدرجة الأولى في توجهات أبنائه السياسية وتحالفاتهم على الأرض وعلاقاتهم الدولية والإقليمية المتناقضة، والتي إن كانت تبدو كأنها توزيع أدوار إلا أنها في أزمة المصرف المركزي ظهرت كخطوط متباينة لا تخضع لهذا المستوى من التنسيق.

من جهة أخرى؛ يأتي الموقف التركي في محصلته متحفظا، وإن كانت تحركاته تجاه أطراف فاعلة في الشرق تظهر بشكل جلي مؤخرا في علاقة أنقرة مع “بلقاسم حفتر”، ودخول الشركات التركية لمشاريع إعادة الإعمار التي يشرف عليها بلقاسم، وهو ما قد يكون مرتبطا أيضا بتطور العلاقات المصرية التركية. بالإضافة لذلك؛ يظهر الدور التركي في عدة محطات باعتباره الوسيط أو ضابط الإيقاع بالنسبة للأطراف الفاعلة في المنطقة الغربية التي تعاني من التشظي والخلافات والتنازع. وقد أشارت بعض المصادر إلى دور تركي في الاتفاق الذي جرى على الأرض بين المجموعات المسلحة في طرابلس لاحتواء أزمة البنك المركزي وتجنب الاقتتال فيما بينها.

التوجهات الدولية في وجه الغطاء الإقليمي

يبدو الغطاء الإقليمي الذي تكتسبه الأطراف المحلية بين الحين والآخر غير فعال في وجه التوجهات الدولية التي تمثلها البعثة الأممية ومن خلفها الدول الخمس الرئيسية، (الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا)، إذ إن هذه التوجهات الإقليمية والغطاء الذي تضفيه على اللاعبين المحليين تملأ الفراغات التي تركها الانشغال الدولي عن المشهد الليبي بفعل التطورات الدولية.

تنظر الولايات المتحدة للمشهد الليبي بشكل يختلف عما كانت تنظر إليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ باعتبار أن المشهد في ليبيا يتداخل مع قضايا أمن الطاقة وتمدد روسيا في دول الساحل والصحراء. وتعد أزمة المصرف المركزي موضوعا محوريا بالنسبة للولايات المتحدة خصوصا في الخشية من أن تصبح التحالفات الداخلية المرتبطة بالوجود الروسي ذات نفوذ يمكنها من تمويل نشاط الفيلق الروسي في ليبيا، والتي باتت محطة حركة مباشرة من وإلى دول الساحل والصحراء كما ظهر ذلك في السودان ومالي وبوركينا فاسو.


تبدو الولايات المتحدة الأكثر تماسكا في تحديد توجهات المرحلة القادمة بناء على مخاوفها من التمدد الروسي وسعيها لتحجيم نشاط الفيلق الأفريقي الروسي والضغط عليه في ليبيا بشكل رئيسي حماية لأمن الطاقة العالمي الذي تضرر بشكل بالغ نتيجة للحرب الأوكرانية الروسية وبات رفع ليبيا لإنتاجها النفطي رغبة أمريكية نابعة من هذه الرؤية التي لا تجد عائقا حقيقيا أمامها سوى انتشار قوات الفيلق الأفريقي بالقرب من مصافي وموانئ النفط في ليبيا. كما يمثل التقارب التركي المصري وحالة الاتفاق التي عبر عنها الرئيس المصري في زيارته لأنقرة رافدا رئيسيا لجهود الولايات المتحدة في تحجيم الدور الروسي في البلاد.

لا يزال الحديث عن إبعاد روسيا عن الواقع السياسي والميداني الليبي غير متصور في المدى القصير على الأقل، خصوصا وأن سياسة واشنطن في هذا الملف لم تحسم بعد إذ تميل بعض القراءات لخيار المواجهة عبر الفاعلين المحليين وتوحيد الجبهة الشرقية والغربية في وجه الوجود الروسي، إلا أن العلاقات بين “صدام حفتر” وروسيا تبدو غير قابلة للاختراق. ولا تزال واشنطن متمسكة بوجود حفتر كفاعل قوي في المشهد، وترى أن انهياره وقواته سيفتح الباب أمام تمدد الفوضى وعودة الجماعات الجهادية للصعود من جديد في مناطق سيطرته.

مآلات الأزمة ومستقبل التسوية

من غير المتوقع أن تنتج تسوية حقيقية بناء على التوجهات المحلية ذات الغطاء الإقليمي، كالتوجه الرامي لإيجاد حكومة جديدة وتوحيد السلطة التنفيذية عبر اتفاق مجلس الدولة ومجلس النواب، خصوصا وأن الأطراف المعارضة لا تبدو أنها تسلم بأي مشروعية لمجلس الدولة ومجلس النواب وترى نفسها أكثر جدارة واستحقاقا بناء على تقادم الشرعيات القانونية والسياسية وعدم الالتزام بأي اتفاق سياسي من قبل مجلس النواب.

كما أنه من غير المرجح أن تصل الأطراف الإقليمية المعنية، خاصة تركيا ومصر، لحالة تسوية نقود لوضع سياسي مستقر يحظى بالمشروعية؛ لغياب الاهتمام التركي بالملف الليبي من الناحية السياسية واهتمام أنقرة بتمثيل عسكري أقوى ووجود اقتصادي أكبر، كما أن القاهرة لا تبدو أفضل حالا خصوصا مع انشغالها بالملفات الأمنية الأكثر أولوية كملف سد النهضة، والحرب في غزة، بالإضافة إلى المشكلة الاقتصادية المزمنة، وانقطاع التنسيق المصري الإماراتي في الملف الليبي الذي كان يجعل من دور القاهرة أكثر فاعلية وتكاملا منه اليوم.

تبدو فرص استمرار حكومة الوحدة الوطنية محدودة للغاية، في ظل تراجع الأوراق السياسية وتحالفاتها الداخلية والدعم الدولي، كما أن محاولات إصلاحها بتغيير وزاري كما كان يطمح المبعوث الأمريكي باتت بعيدة المنال بفعل الحكومة نفسها التي تواجه عزلة سياسية على الصعيد المحلي والدولي.

على الأغلب، إن أزمة المصرف المركزي ستكون فرصة سانحة لإعادة ترتيب المشهد السياسي بالنسبة للولايات المتحدة والتي تنظر بتحفظ شديد لإجراءات الرئاسي والحكومة حول المصرف المركزي، إذ عبّرت البعثة الأمريكية عن قلقها إزاء ما قد يتعرض له المصرف المركزي من إجراءات أحادية من قبل الرئاسي. ومن ثم، علقت أربعة مصارف دولية عملياتها مع المصرف المركزي الليبي بناء على ضبابية وضعه القانوني والنزاع حول شرعية إداراته، وهو ما يمثل أدوات ضغط أمريكية من أجل فرض حوار سياسي شامل لإعادة ترتيب المشهد بصورة كاملة.

يبدو الخيار الأقرب للتسوية هو الرعاية الدولية (الدول الخمس) لحوار سياسي جديد على غرار ما جرى في جنيف عام 2020، للاتفاق حول حكومة تمثل الأطراف الرئيسية في المشهد، إلا أن من المتوقع أن يكون التصميم أكثر دقة من سابقه بحيث يمنع المفاجئات التي جرت في جنيف عبر قضية رشوة أعضاء ملتقى الحوار السياسي ما ساهم في صعود رئيس الحكومة الحالي بشكل فاجأ البعثة والأطراف الدولية.

من المرجح أن تتلافى البعثة الأممية إنشاء حكومة دون جدول زمني لموعد للانتخابات، كما أن الحذر سيكون حاضرا حيال صعود سيف الإسلام القذافي، مرشح روسيا الأبرز لقيادة ليبيا، والذي تسبب ترشحه عام 2021 في إلغاء الانتخابات برمتها نتيجة للضغط الدولي خوفا من صعود رئيس حليف لروسيا وإن كان احتمال فوزه بسيطا، ما يعني أن أقرب خيار انتخابي قد يكون انتخابات نيابية تمثل مشهدا آمنا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.