نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله، الأربعاء، قائمة طويلة ومفصلة بشأن المساعدات التي قدمها ويقدمها حزب الله لمواطني جنوب لبنان الذي دمرته الغارات الإسرائيلية التي لا تتوقف منذ السابع أكتوبر الماضي. وتشمل هذه المساعدات 288,617 حصة غذائية؛ و79,906 منحة نقدية شهرية للأسر “القوية”، أي تلك التي بقيت في قرى جنوب لبنان والأسر النازحة؛ والمساعدة في إيجاد مأوى لـ 25,784 شخصاً دمرت منازلهم؛ و3,188 مخصصات إيجار؛ ومساعدة 6,171 عائلة لشراء أثاث منزلي؛ و4,604 منحة تعويض لأصحاب المنازل التي دمرتها “إسرائيل”.
وتقول صحيفة هآرتس العبرية إن نشر الصحيفة هذه التفاصيل الكاملة التي تشمل عشرات البنود الدقيقة التي الإشارة إليها، هي رسالة من الحزب للجميع، أنه على النقيض من الوضع في حرب لبنان الثانية عام 2006، فإن حزب الله هذه المرة لا ينتظر حتى تنتهي الحرب حتى يقدم المساعدات لحاضنته الشعبية، وأن الحزب يعمل “ملء الفراغ المألوف والمشترك الذي تركته الحكومة ومؤسساتها ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية”.
وتقول هآرتس، “صحيح أن المقال جزء من حملة رأي عام تشنها حزب الله في لبنان في مواجهة الانتقادات العامة والسياسية التي وجهت إليه، ولكنه أيضاً ليس منفصلاً عما تقرأه المنظمة وتسمعه عن ما يحدث في إسرائيل من الإحباط واليأس الذي يعيشه نحو 100 ألف إسرائيلي لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم منذ عام، وأن الحكومة الإسرائيلية التي لا تبذل ما يكفي من الجهد لمساعدة الأسر الإسرائيلية التي “تقف قوية” في المستوطنات، أو التي هُجِّرَت من منازلها.
إسرائيل تسعى لإنشاء “شريط فاصل” بين جنوب لبنان ونهر الليطاني
ترى الصحيفة العبرية، أن زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله صوّر وضع عشرات الآلاف من الإسرائيليين في الشمال باعتباره جانباً من انتصار الحزب في حملته ضد إسرائيل، تماماً كما يقدم إشغاله للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية باعتباره جانباً أساسياً من مساهمة حزب الله في “وحدة الساحات” من النوع الذي يقول إنه يخفف الضغط على غزة.
ووعد نصر الله سكان جنوب لبنان بأنه بعد انتهاء “عملية الانتقام” التي نفذتها إسرائيل رداً على اغتيال فؤاد شكر، فإنهم سيتمكنون من العودة إلى ديارهم بأمان، ولكنهم يواجهون صعوبة في التوفيق بين الدعوة للعودة إلى ديارهم في ظل الهجمات المستمرة التي تشنها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. وفي الوقت الحالي، فإنهم يدركون، مثل الحكومة اللبنانية، ودول أخرى في المنطقة، والولايات المتحدة، أن هذه الحرب لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، وأن كافة الأطراف المشاركة بدأت في التخطيط “للحرب واسعة النطاق”، كما تزعم هآرتس.
وفي لبنان كما في إسرائيل، ينظرون بقلق بالغ إلى “المؤشرات” التي تشير إلى ظهور مثل هذه الحرب في المستقبل القريب. فإلى جانب التصريحات العدوانية الصادرة عن إسرائيل والتحذيرات التي تصدرها إدارة بايدن للحكومة اللبنانية بشأن نوايا إسرائيل، فإن شدة الهجمات الإسرائيلية تتزايد ويتم تفسير المنطقة الجغرافية التي تعرضت للقصف وخاصة القرى في الجنوب ومحيط مدينة صور، على أنها نية إسرائيلية لإنشاء “شريط فاصل” بين جنوب لبنان ونهر الليطاني إلى الشمال.
وفي لبنان، وردت تقارير أيضاً عن ضربات ضخمة على مناطق كثيفة من الغابات حول مدينة صور، حيث يُشتبه في وجود بطاريات صواريخ متوسطة وطويلة المدى. ويُفسَّر هذا الهجوم على أنه يهدف إلى إعداد الأرض لهجوم واسع النطاق.
يقول المعلقون اللبنانيون إن الهجوم الكبير الذي وقع ليل الأحد الاثنين في سوريا، والذي أسفر عن مقتل 16 شخصا، والذي تضمن ثلاث جولات من الهجمات، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، واستهدف بشكل رئيسي “مركز البحوث العلمية ” بالقرب من مدينة حماة، هو مؤشر على نية إسرائيل تجاوز الهجوم المحدود على موقع عسكري تعرض للقصف عدة مرات في الماضي. ويوم الأربعاء، كانت صحيفة الأخبار هي التي قدمت النظرية الأصلية التي تفيد بأن إسرائيل تخطط لغزو وادي البقاع اللبناني عبر سوريا لقطع الوادي عن جنوب لبنان.
وأفادت “الأخبار” أيضاً أن “مسؤولين في لبنان” استفسروا من قيادات في مجموعات سورية معارضة متواجدة في أوروبا عما إذا كانت المجموعات ستتعاون مع إسرائيل ضد حزب الله أم ستمتنع عن مثل هذه الخطوة. وبحسب “الأخبار”، كان هناك انقسام في مواقفها.
تبادل الرسائل الصارمة والتهديدات
تقول هآرتس، من المشكوك فيه أن يتم دراسة مثل هذا الخيار بشكل جدي، ولكن حقيقة أن هذا الأمر تم نشره في صحيفة وثيقة الصلة بحزب الله وهي تشير إلى استياء الحزب من حقيقة أن “سوريا الأسد” لم تنضم حتى الآن إلى “جبهة الدعم” ولا تشارك في القتال ضد إسرائيل. وأعطى نصر الله سوريا “إعفاء” من المشاركة في عملية الانتقام لمقتل فؤاد شكر، ولكن دمشق لا تحتاج إلى إذن نصر الله. يعتمد موقفها، الذي يتم تنسيقه مع إيران، على تحليل مصالح سوريا والتهديد الذي تتوقعه من المشاركة في الحرب.
في الوقت نفسه، لا يزال حزب الله يتعامل مع المعادلة التي طورها، وهي أن المواجهة مع إسرائيل ووقفها يتوقفان على التطورات في غزة واتفاق وقف إطلاق النار مع حماس. وطالما ظلت هذه المعادلة سارية المفعول، فإن المجال الدبلوماسي لوقف المواجهة في الشمال يركز بشكل أساسي على نقل رسائل صارمة وتهديدات مفتوحة لكل من حزب الله وإيران بهدف تقليص مناطق المواجهة لمنع اندلاع حرب واسعة النطاق.
في هذه الأثناء، تستمر المداولات التي تشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا والحكومة اللبنانية، وبشكل غير مباشر حزب الله أيضاً من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما يتصل بالخطط المتعلقة بـ”اليوم التالي”، والتي تركز أغلبها على تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الصادر في عام 2006.
ولكن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب “أذهل القيادة السياسية اللبنانية” هذا الأسبوع عندما أعلن أنه تحدث إلى “جميع الأطراف المعنية بالمسألة حول مدى استعداد لبنان لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بشأن وقف الحرب”. وقال أبو حبيب “نحن نتحدث مع كل الدول ومع مجلس الأمن حول متى يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وأن مجلس الأمن يحتاج إلى اعتماد قرار جديد ليس نسخة منقحة من القرار 1701”.
ولم يتضح بعد ما الذي دفع وزير الخارجية اللبناني إلى إصدار تصريحاته التي تتناقض مع موقف الحكومة اللبنانية المستمر بأن القرار 1701 سوف يتم تنفيذه بالكامل ــ ربما مع تعديلات طفيفة ولكن من دون تغيير جوهره. وتعرض بو حبيب لانتقادات شديدة يوم الأربعاء، وسارع إلى “توضيح” أن “كل ما قيل حول اعتماد قرار جديد [بدلاً من القرار 1701] هو مسألة نظرية ولا يشكل بديلاً عن القرار الحالي. لكننا منفتحون دائماً على إجراء حوار إيجابي مع جميع شركائنا في إطار مبادئنا وإجماعنا الداخلي”.
تقول الصحيفة العبرية، إن المبادئ ونقاط الاتفاق الداخلية في لبنان هي أيضاً “مسألة نظرية”، ولكن تصريحات وزير الخارجية لا يبدو أنها تعتمد على “نظرية” فقط، بل تنبع من تفسيرات تلقاها من الولايات المتحدة وبشكل غير مباشر من إسرائيل ــ والتي تفيد بأن “القرار 1701 فقد أهميته في مواجهة تهديد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي يشكلها حزب الله”.
وينص قرار مجلس الأمن الصادر في عام 2006 على أن ينسحب حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني، وفي نفس الوقت يسحب تهديد الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون، التي تسبب أضراراً جسيمة، لكنه لا يلغي تهديد الصواريخ بعيدة المدى أو الطائرات بدون طيار.
“إسرائيل تفتقر لاستراتيجية واضحة في لبنان”
تقول هآرتس، إن أهمية هذا الأمر تكمن في أنه حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة على نحو معجزي، وتبناه حزب الله أيضاً، فإن هذا لن يكون كافياً لتوفير الشعور بالأمن الذي من شأنه أن يمكن سكان شمال إسرائيل من العودة إلى مستوطناتهم.
ومن الواضح هنا أيضاً أن إسرائيل تفتقر إلى استراتيجية واضحة من شأنها أن توضح نوع الترتيب الذي تسعى إليه مع لبنان وحزب الله. ذلك أنه على النقيض من حماس وسيطرتها المدنية في غزة، والتي تم ذكرها كأحد أهداف الحرب، فإن القضاء على حزب الله لم يكن هدفاً من الأهداف المعلنة. ولم تحدد إسرائيل أيضاً ما هو التهديد الذي تسعى إلى تحييده من لبنان، باعتبار أن جزءاً كبيراً من التهديد سيظل قائماً حتى لو تم تنفيذ القرار 1701.
هل تتفق إسرائيل مع وزير الخارجية اللبناني في موقفه “النظري” القائل بضرورة البحث عن اتفاق من نوع جديد واستصدار قرار جديد من مجلس الأمن؟
وتقول “هآرتس” يبدو أن إسرائيل، كما في غزة ، تستعد لحرب في لبنان من دون أن يكون لديها استراتيجية أو سياسة واضحة بشأن ما ترغب في تحقيقه من ذلك.