شهدت الولايات المتحدة، مساء الثلاثاء 10 سبتمبر/ أيلول 2024، المناظرة الرئاسية الأولى التي جمعت بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري.

ناقشت المناظرة قضايا محورية مثل الاقتصاد، الهجرة، الإجهاض، الديمقراطية، وتغير المناخ، وسط اشتباكات متكررة بين المرشحين. حيث استدرجت هاريس ترامب إلى رد حيوي على التهم الجنائية التي يواجهها. فوفقاً لتحليل لجريدة واشنطن بوست، شهدت المناظرة تغيير حاسم عن المناظرة الماضية التي أقيمت في يونيو/حزيران الماضي بين الرئيس جو بايدن وترامب، إذ تصدى المذيعون هذه المرة في ABC News لادعاءات الرئيس السابق – بما في ذلك مزاعمه بأن الديمقراطيين يفضلون الإجهاض بعد الولادة، ونفي أكاذيبه الذي تم فضحها بأن المهاجرين الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة في بلدة أوهايو.

وفي دفعة لحملة هاريس، بعد دقائق من انتهاء المناقشة، أعلنت نجمة البوب ​​​​تايلور سويفت أنها ستصوت لهاريس في منشور على إنستغرام.


قبل المناظرة

قبل انطلاق المناظرة، كانت الأنظار مسلطة على هاريس بشكل خاص. استطلاعات الرأي أظهرت أن أكثر من ربع الناخبين لم يحددوا بعد موقفهم من هاريس، ما جعل هذه المناظرة فرصة حاسمة لها لتقديم نفسها كمرشحة رئاسية. دخولها السباق قبل أسابيع فقط، بعد انسحاب الرئيس جو بايدن، و وضعها تحت مجهر الناخبين الذين ما زالوا في حالة تردد بشأن هويتها السياسية.

ويرى البعض أن خبرة هاريس السياسية أقل مقارنة بترامب، وهو ما يمنحه الفرصة لمحاولة إحراجها في قضايا حساسة مثل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أو زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية. كما كان متوقع أن يوجه ترامب انتقاداته بشأن تغيير مواقفها في قضايا مثل دعم النفط الصخري، خاصة في ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية متأرجحة أستضافت المناظرة.

على الجانب الآخر، رأى الكثير من المحللين أن ترامب سيواجه صعوبة في إيجاد موقف وسط بشأن قضايا حساسة للغاية مثل حق الإجهاض وحقوق الإنجاب بالتخصيب الصناعي، وهي قضايا تهم ملايين الناخبين. في ظل هذه الظروف، يجب على كل مرشح استغلال الفرصة للتواصل مع جمهور متردد وقادر على قلب الموازين في اللحظات الأخيرة.


القضايا التي المطروحة المناظرة

انطلقت المناظرة بمصافحة مفاجئة بين الخصمين اللذين لم يلتقيا من قبل. واقتربت هاريس من ترامب عند منصته وقدمت نفسها بالاسم، وهي أول مصافحة في مناظرة رئاسية منذ عام 2016.


كما كان متوقعًا، تناولت المناظرة قضايا حساسة مثل ارتفاع معدلات التضخم، الانهيار في منظومة الهجرة على الحدود الجنوبية، ودور الولايات المتحدة في الحروب الجارية في أوكرانيا وقطاع غزة. فهذه الملفات تعمق الانقسام بين الناخبين، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد.

على الرغم من قلة خبرتها السياسية مقارنة بترامب، واجهت هاريس مرشحًا معروفًا بهجومه اللاذع على خصومه في قضايا مثل الهجرة والسياسات الخارجية. كما استغل ترامب موقف هاريس المتغير في قضية دعم النفط الصخري، محاولاً كسب أصوات الناخبين في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة.

و بدت هاريس، البالغة من العمر 59 عامًا، وقدرتها القانونية كمدعية عامة سابقة واضحة في إزعاج الرئيس السابق دونالد ترامب، البالغ من العمر 78 عامًا، مرارًا. مما دفع الأخير، الذي ظهر عليه الغضب بوضوح، إلى إطلاق سلسلة من الردود التي تضمنت العديد من الادعاءات التي وصفها البعض بأنها غير دقيقة.

وكانت لغة الجسد بين المرشحين لافتة. فقد أظهرت هاريس نظرة مدروسة، مزيجًا من الحيرة وعدم التصديق، في كل مرة تحدث فيها ترامب. بينما اتسمت ملامح ترامب بالعبوس، ما عكس حالة من الانزعاج الواضح، وجعل ترامب يبتلع الطُعم من هاريس كما عنون موقع Axios صباح اليوم في مقال تعقيباً على المناظرة.


الاقتصاد: محور النقاش الأول

بدأت المناظرة بسؤال عن الاقتصاد: “هل أصبح الأمريكيون في وضع أفضل مما كانوا عليه قبل أربع سنوات؟” هاريس ردت بطرح خطتها لـ”اقتصاد الفرص”، مشددة على معالجة تكاليف الإسكان ودعم الأسر الصغيرة. أما ترامب فقد رد بوعود فرض رسوم جمركية على الدول الأجنبية، مع التركيز على الصين كمثال، مدعيًا أن سياساته حققت مكاسب اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة.

في المقابل، انتقدت هاريس سياسات ترامب الاقتصادية، قائلة إنه ترك البلاد في “أسوأ حالة بطالة منذ الكساد العظيم”، مؤكدة أن إدارة بايدن عملت على “تنظيف الفوضى” التي خلفها ترامب.


الهجرة: تبادل الاتهامات

تناولت هاريس ملف الهجرة، مشيرة إلى أن ترامب أفشل جهودًا تبناها الحزبين لتمرير مشروع قانون أمن الحدود، مفضلاً استخدام القضية كأداة سياسية بدلاً من حلها. ورد ترامب باتهام الديمقراطيين بالتساهل مع المهاجرين، وكرر مزاعم لا أساس لها حول سلوك المهاجرين، وأنهم “يأكلون الحيوانات الأليفة” في سبرينغفيلد بولاية أوهايو، وهي أكاذيب سرعان ما نفاها المذيعون.

هاجمت هاريس ترامب على تاريخه الإجرامي، مما دفعه إلى تكرار ادعاءاته السابقة بأن التهم الموجهة إليه هي نتيجة “تسليح” نظام العدالة.


الإجهاض: قضية جوهرية

شنت كامالا هاريس هجومًا حادًا على سياسات الإجهاض، متحدثة بحماس عن النساء اللواتي حُرمن من الرعاية الطبية الطارئة، وضحايا سفاح القربى اللواتي لم يستطعن إنهاء حملهن بسبب القوانين التي فرضتها بعض الولايات بعد قرار المحكمة العليا في عام 2022 بإلغاء حق الإجهاض على المستوى الوطني.

على الجانب الآخر، اتهم ترامب هاريس والديمقراطيين بتأييد ما وصفه بـ”قتل الأطفال”. وعندما انتقل النقاش إلى مسألة حقوق الإجهاض، التي تُعد من أهم القضايا بالنسبة للناخبين الأمريكيين، طُلب من ترامب توضيح موقفه في ظل تصريحاته المتناقضة حول الموضوع في الماضي.

بدأ ترامب بتكرار زعمه بأن الديمقراطيين يسعون للسماح بالإجهاض في “الشهر التاسع” من الحمل، مشيرًا إلى أن الديمقراطيين “متطرفون” في هذا الشأن. كما اتهم تيم والز، المرشح لمنصب نائب الرئيس الذي اختارته هاريس، بدعم الإجهاض في الأشهر الأخيرة من الحمل.

وأكد ترامب أنه ساعد في إعادة قضية الإجهاض إلى الولايات لتتخذ قرارها، معربًا عن دعمه لوجود استثناءات في حالات الاغتصاب وزنا المحارم.


هاريس ردت على تصريحات ترامب بنبرة حازمة، مشيرة إلى أن “لا توجد ولاية في هذا البلد تسمح بقتل طفل بعد ولادته”، وهو ما نفته أيضًا المذيعة التي تدخلت لتوضيح أن بعض المزاعم التي أطلقها ترامب بشأن “إعدام” الأطفال بعد الولادة غير صحيحة. كما ذكرت هاريس أن ترامب هو من عين ثلاثة قضاة في المحكمة العليا الذين ساهموا في إلغاء الحق في الإجهاض قبل عامين.

وأبرزت هاريس أن العديد من الولايات أقرت قوانين “تحظر الإجهاض دون استثناءات لحالات الاغتصاب أو سفاح القربى”، متسائلة: “هل هذا ما يريده الناس؟”، ووصفت المعاناة التي تواجهها النساء اللواتي “ينزفن في سياراتهن في مواقف السيارات” بسبب عدم قدرتهن على الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.


الرعاية الصحية: مواجهة مستمرة

في ملف الرعاية الصحية، عاد ترامب إلى وعوده القديمة بإلغاء واستبدال قانون “أوباما كير”، لكنه لم يقدم تفاصيل واضحة حول خططه المستقبلية. أما هاريس، ورغم أن خطتها في كلامها كانت مازالت غامضة بعض الشئ، فقد أكدت أنها ستلتزم بتعزيز قانون الرعاية الميسرة، مع التركيز على خفض التكاليف وتوسيع الإعفاءات الضريبية التي كانت جزءاً من سياسات بايدن.


السياسة الخارجية: قضايا ملتهبة

في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، تساوى المرشحان في دعم إسرائيل والخلاف هو في الالتزام بحل الدولتين (الذي تطرحه هاريس). فعندما سُئلت هاريس عن موقفها من حرب غزة، أكدت على دعمها الكامل والمستمر لإسرائيل لكنها ذكرت ضرورة إنهاء الحرب فورًا، مشيرة إلى أهمية حل الدولتين وإعادة إعمار غزة. رغم ذلك، هاجم ترامب هاريس بعنف، مدعيًا أنها “تكره إسرائيل” وأن انتخابها سيؤدي إلى انهيارها في غضون عامين.

بينما في ملف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تجنب ترامب الانحياز لأي طرف، مركّزًا على أهمية إنهاء الحرب لتخفيف الأعباء الاقتصادية على الولايات المتحدة. ردت هاريس بأن حلفاء الولايات المتحدة في الناتو “ممتنون” لعدم استمرار ترامب في السلطة، مشيرة إلى أن بوتين كان سيحتل كييف لو بقي ترامب رئيساً.

أما عن الانسحاب من أفغانستان، فطرح المحاوران سؤالًا على هاريس حول الانسحاب الأمريكي، وردت هاريس بأنها دعمت التزام الرئيس بايدن بسحب القوات الأمريكية من البلاد. ومع ذلك، شددت على ضرورة التذكير بالطريقة التي تم بها الانسحاب، وقالت: “لقد تفاوض دونالد ترامب كرئيس على واحدة من أضعف الصفقات التي يمكن تصورها”، مشيرة إلى الاتفاق الذي أبرمه ترامب مع طالبان.

رد ترامب على هذه الانتقادات بالقول: “كنا سننسحب من أفغانستان دون خسارة أي جندي ودون ترك المعدات خلفنا، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في ذلك”.


من حسم المناظرة لصالحه؟

رأى العديد من المراقبين، أن كامالا هاريس نجحت في نصب فخاخ لاستفزاز دونالد ترامب وإزعاجه واغضابه. فوفقاً لموقع Axios الأمريكي، ذكر أن مدرب المناظرة السابق لترامب كريس كريستي، أشار إلى أن  استغلت المحفزات الموثقة جيدًا لترامب.

فكانت النتيجة عبارة عن سلسلة من الهذيان الغاضب والادعاءات الغريبة من قبل ترامب – بما في ذلك نظرية المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة حول أكل المهاجرين للقطط والكلاب الأليفة، هذه التصريحات، بحسب كريستي، ستشغل العناوين الرئيسية وتستخدم في الإعلانات الدعائية الديمقراطية لأسابيع قادمة.

بالإضافة لذلك، بعد مرور نصف ساعة تقريبًا على المناظرة، بدا أن هاريس قد أثارت إزعاج ترامب بدعوة الأميركيين لحضور أحد تجمعاته – حيث ادعت أن الناس يغادرون مبكرًا “بسبب الإرهاق والملل”. في تلك اللحظة انحرفت المناظرة تمامًا عن مسارها: فدافع ترامب بقوة عن حجم حشوده، ثم زعم بلا أساس أن هاريس تنقل حافلات وتدفع للمؤيدين لحضور تجمعاتها.

بعد مرور نصف ساعة تقريباً من المناظرة، بدا أن هاريس نجحت في استفزاز ترامب عندما أشارت إلى أن الناس يغادرون تجمعاته الانتخابية مبكرًا “بسبب الإرهاق والملل”. استجابةً لهذا التصريح، دافع ترامب بقوة عن حجم الحشود في تجمعاته، وزعم دون دليل أن هاريس تستخدم حافلات لنقل المؤيدين وتدفع لهم لحضور فعالياتها.

من جهته، علّق مارك شورت، الذي شغل منصب كبير موظفي مايك بنس نائب ترامب السابق، قائلاً “أضاع ترامب فرصة تحويل التركيز إلى سياسات بايدن وهاريس بشأن الاقتصاد والحدود، وبدلاً من ذلك وقع في فخها وتشتت تركيزه بين إنكار نتيجة الانتخابات السابقة ومسألة المهاجرين الذين يأكلون حيواناتنا الأليفة”.

على الجانب الآخر، حاول المحافظون الدفاع عن أداء ترامب بمهاجمة مذيعي قناة ABC News، ديفيد موير ولينسي ديفيس، لعدم فحصهم ادعاءات هاريس كما فعلوا مع تصريحات ترامب.

أظهرت منصة “بريدكت” لتوقعات الانتخابات الرئاسية تراجع فرص ترامب في الفوز خلال المناظرة من 52% إلى 47%، بينما ارتفعت فرص هاريس من 53% إلى 55%.

و وفقًا لاستطلاع شبكة CNN لمراقبي المناظرة أجرته SSRS، أظهر كيف انقسم الناخبون الذين تابعوا المناظرة، حيث رأى 44٪ من المشاهدين أن هاريس تفهم المشكلات التي يواجهونها بشكل أفضل، بينما قال 40٪ إن ترامب هو الذي يفهم تلك المشكلات. و بالنظر إلى نتائج ذلك الاستطلاع، نجد تحسناً طفيفاً لصالح هاريس مقارنةً بما قبل المناظرة، حيث كانت النسبة 43% لصالح ترامب و39% لصالح هاريس.

وفي إشارة إلى الثقة في نتيجة المناظرة، تحدت حملة هاريس ترامب على الفور لتنظيم مناظرة ثانية.

ومع تبقي ثمانية أسابيع على الانتخابات وأيام قليلة حتى بدء التصويت المبكر في بعض الولايات، شكلت المناظرة فرصاً وكذلك مخاطر لكل مرشح إذ تابع الحوار عشرات الملايين من الناخبين عبر شاشات التلفزيون.

على الرغم من الأهمية الكبيرة التي توليها وسائل الإعلام والجمهور للمناظرات الرئاسية، إلا أنها لا تؤدي دائمًا إلى تغيير آراء الناخبين بشكل كبير. العديد من المراقبين الأمريكيين يشيرون إلى أن المناظرات ليست العامل الحاسم الوحيد في تحديد نتيجة الانتخابات. فعلى سبيل المثال، في انتخابات عام 2016، أظهرت استطلاعات الرأي أن هيلاري كلينتون تفوقت في جميع المناظرات الثلاث أمام دونالد ترامب. ومع ذلك، انتهت الانتخابات بفوز ترامب بمقعد الرئاسة، ما يعكس أن العوامل الأخرى كانت لها تأثير أكبر على قرار الناخبين.

ورغم ذلك، قد تكون للمناظرات عواقب وخيمة على الحملات الانتخابية. فمثلًا، أداء جو بايدن الكارثي في إحدى المناظرات أمام ترامب في يونيو/حزيران أدى إلى تداعيات خطيرة على حملته، حيث اضطر بايدن إلى الانسحاب من السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز.