الأخبار

من القطيعة مع فرنسا والمغرب إلى الحدود المشتعلة بالجنوب.. ملفات ساخنة تنتظر تبون خلال عهدته الثانية بالجزائر 

فوز كاسح ومتوقع حققه الرئيس عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي شهدتها البلاد السبت 7 سبتمبر/أيلول 2024، وقالت السلطة المستقلة للانتخابات في الجزائر، الأحد 8 سبتمبر/أيلول، إن تبون فاز بنحو 95% من أصوات الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية الجزائرية.

ودُعِي أزيد من 24 مليون مواطن جزائري، داخل البلاد وخارجها، إلى التصويت على أحد المترشحين الثلاثة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وهم عبد المجيد تبون وعبد العالي حساني شريف ويوسف أوشيش، وكشفت السلطات على أن نحو 6 ملايين ناخب صوتوا في الانتخابات الرئاسية الجزائرية.

استمرار عبد المجيد تبون في قصر المرادية لخمس سنوات أخرى، يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن السياسات التي سينهجها الرئيس سواء داخلياً أو خارجياً، فكيف سيتعامل تبّون مع الملفات الداخلية؟ وهل سيغير سياسته الخارجية خاصة فيما يرتبط بدول الجوار التي تتباين فيه العلاقات بين التقارب والقطيعة؟

الجزائريون ينتظرون من تبون الوفاء بوعوده

خلال حملته التي سبقت الانتخابات الرئاسية الجزائرية قدم الرئيس عبد المجيد تبون الكثير من الوعود للمواطنين من أجل استقطاب أصواتهم وحثهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وركز تبون في خطاباته على ضرورة منحه أصوات الناخبين لاستكمال مشروع “الجزائر الجديدة”.

تبون وعد الجزائريين بزيادة الأجور ومعاشات التقاعد وتعويضات عن البطالة وبناء 2 مليون وحدة سكنية، فضلا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 450 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر “ثاني اقتصاد في إفريقيا”، إضافة إلى إعطاء الشباب “المكانة التي يستحقونها”.

وينتظر الرئيس عبد المجيد تبون صعوبات عدة أبرزها، اعتماد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على موارد محدودة مثل النفط والغاز، كذلك معضلة التضخم، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، فيما يؤكد تبون على أنه نجح في فتح الاقتصاد الجزائري على مشاريع كبرى.


كما يبرز الملف الحقوقي كأحد الملفات المهمة التي تنتظر تبون، خاصة بعد أن وجهت للجزائر انتقادات تتعلق بملف حقوق الإنسان، إذ اتهمت “منظمة العفو الدولية” في تقرير لها، في 17 يوليو/تموز 2024، السلطات الجزائرية بقمع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية.

وأشار التقرير إلى ما أسماه بـ “استهداف الأصوات المعارضة الناقدة، سواء كانت من المحتجين أو الصحفيين أو أشخاص يعبّرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي”. واتهمت “منظمة العفو الدولية” الجزائر باستخدام “تهم لا أساس لها بالإرهاب لقمع الأشخاص الذين يعبرون عن المعارضة”.

واعتبر الباحث والأكاديمي الجزائري، حسني عبيدي، أن النتيجة التي حققها عبد المجيد تبون غير مفاجئة “بالنظر إلى صورة منافسيه والموارد المخصصة لحملته الانتخابية”، وفق ما صرح به الأحد 8 سبتمبر/أيلول لوكالة “فرانس برس”.

لكن عبيدي أشار إلى أن تبون “لم يحصل إلا على 319 ألف صوت منذ عام 2019 ولم يحرك سوى ما يزيد قليلا عن 5 ملايين ناخب من أصل 24 مليون مسجل، أو أقل من الربع”، وقال “إن هذا فشل يتطلب مراجعة عميقة لسياسته”.

كما أضاف المتحدث أن ما حققه تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية “انتصار يبدو وكأنه دعوة للاستيقاظ”، وأضاف عبيدي أنه بدون مراجعة “طريقة حكمه ودون تغييرات في فريقه”، فإن “عجز الديمقراطية” في سجله يمكن أن يشكل عائقا في ولايته الجديدة.

كيف ستكون العلاقة مع فرنسا؟

من الملفات الشائكة التي تنتظر تبون بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية ملف العلاقات المتوترة مع فرنسا، والتي زادت من توترها الموقف الفرنسي الأخير من قضية الصحراء الغربية ودعم باريس لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، إلى جانب ملف الذاكرة المرتبط بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.

ومباشرة بعد إعلان فوز تبون في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بتحقيق “نسبة ساحقة” من الأصوات، شنّت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية هجوما على وسائل الإعلام الفرنسية ونشرت مقالاً عنونته بـ”أيها الفرنسيون، الجزائر ليست محميتكم”.

وزعم تقرير الوكالة أن موضوع الجزائر “أصبح واحدة من الطقوس، بل واحدة من الثوابت التي باتت تستنفر الصحافة الفرنسية التي تحولت إلى جوق إعلامي يحترف كل الممارسات العدائية ضد الجزائر”. وبات الشغل الشاغل للصحافة الفرنسية “السعي لتعتيم الصورة بالاعتماد على نبرة التهويل المليئة بالأكاذيب”.

وأوضحت الوكالة الرسمية الجزائرية أن “هذا الجوق يتهجم بخزي ودون حياء على كل التحولات التي تشهدها الجزائر منذ انتخاب الرئيس تبون رئيسا للجمهورية، في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا إحدى أحلك المراحل في تاريخ الجمهورية الخامسة”.

وعلى عكس تقرير وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، قدم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأحد، “أحر التهاني” للرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد المجيد تبون بمناسبة إعادة انتخابه، مشددا على “العلاقة الاستثنائية” بين البلدين رغم الأزمات المتكررة.

وقال قصر الإليزيه في بيان نقلته إن فرنسا “متمسكة في شكل خاص بالعلاقة الاستثنائية التي تربطها بالجزائر في كل المجالات: الذاكرة والاقتصاد… والتعاون التعليمي والثقافي وكذلك الأمن ومكافحة الإرهاب”.


وأضاف الإليزيه أنه “انطلاقا من متانة أواصر الصداقة التي تجمع فرنسا والجزائر، يعتزم رئيس الجمهورية أن يواصل بحزم مع الرئيس تبون العمل الطموح الذي شرع فيه” بالجزائر العاصمة في آب/أغسطس 2022 من أجل “تجديد الشراكة” الثنائية.

وتابعت الرئاسة الفرنسية “على الساحة الإقليمية والدولية، الحوار بين بلدينا ضروري، خصوصا في سياق حضور الجزائر في مجلس الأمن الدولي”. وقال “فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانب الجزائر والجزائريين في إطار الاحترام والصداقة اللذين يحكمان علاقاتنا”.

بينما تؤكد كل المؤشرات أن العلاقات بين فرنسا والجزائر ماضية في التوتر بعد نتائج الانتخابات الرئاسية في الجزائر، يرى السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافيي دريانكور، أن مستقبل العلاقات بين باريس والجزائر سيكون “أكثر هدوءا”.

الدبلوماسي الفرنسي أوضح لصحيفة “Le Point” الفرنسية الإثنين 9 سبتمبر/أيلول 2024، أن فتح الجزائر جبهة صراع جديدة مع باريس في الوقت الحالي “أمر محفوف بالمخاطر للغاية“.

وزعم دريانكور أن الجزائر “في حاجة إلى فرنسا في عدة قضايا، سواء إذا تعلق الأمر بملف الهجرة، أو البحر الأبيض المتوسط، أو في الأمم المتحدة، حيث تشغل حاليًا منصب عضو في مجلس الأمن”. وقال سفير فرنسا السابق بالجزائر: “أعتقد أن الأمور ستهدأ، وأن الجزائر ستراقب المشهد السياسي الفرنسي حتى انتخابات 2027”.

العلاقة مع المغرب بعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية

بينما سارعت دول عربية لتقديم التهاني للرئيس عبد المجيد تبون إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، فإنه إلى حدود كتابة هذا التقرير لم يصدر أي تعليق من الجار الغربي المغرب، ووصلت العلاقة بين البلدين إلى “القطيعة” التامة منذ عام

2021

.

وإذا كان العاهل المغربي من أوائل المهنئين للرئيس الجزائري إثر فوزه بالعهدة الأولى عام 2019، فإن الأمر اختلف بعد قطع العلاقات بين البلدين، ويبقى آخر تواصل بينهما هي رسالة العزاء التي وجهها تبون إثر وفاة والدة الملك محمد السادس في شهر يونيو/حزيران 2024.

ولا يبدو أن العلاقات بين المغرب والجزائر ستشهد تحسناً خلال الولاية الثانية للرئيس تبون، خاصة وأن الأخير أكد على تشبثه بالدفاع عن “استقلال الصحراء الغربية”، وهو الملف الذي جعلت منه الرباط مقياساً لما وصفته بـ”مصداقية مشاعر أي دولة للمغرب”.

ففي ظل غياب أي تنازل من الجانبين واستمرار اتهام الجزائر للرباط بـ”المؤامرة”، بسبب التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وما يشكله من “تهديد” بالنسبة لقصر المرادية، فإن يبدو من الصعب أن تشهد العلاقات بين البلدين أي تطور على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة.


حيث أشار معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي إلى أنه مع تدهور الوضع السياسي والعسكري في الصحراء الغربية، تزايدت التوترات بين الجزائر والرباط، مما دفع الجزائر في نهاية المطاف إلى قطع جميع العلاقات مع المغرب.

بينما حقق المغرب، حسب تقرير للمعهد، “انتصارات كبرى في جهوده التي استمرت عقودًا لتأكيد سيادته على الصحراء الغربية”، وفي أواخر عام 2020، اعترفت إدارة دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

ومما زاد الطين بلة بالنسبة للجزائر، يقول المعهد، أن المغرب وافق في المقابل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما أدى إلى زيادة مستويات التعاون العسكري بين الرباط وتل أبيب.

كما اختارت إسبانيا ومؤخرًا فرنسا، بدلاً من ذلك الإصرار على أن الحكم الذاتي داخل السيادة المغربية هو السبيل الوحيد لحل نزاع الصحراء الغربية، وهي الخطوات التي أدت أيضًا إلى” زيادة استياء الجزائر”.

وضع أمني مضطرب في منطقة الساحل

لا أحد يشك في أن الجزائر تعتبر “قوة إقليمية” في منطقة شديدة الاضطراب، وسيسعى عبد المجيد تبون بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى تدارك الموقف واستعادة المكانة التي فقدتها بلاده، خاصة في منطقة الساحل المشتعلة.

وقال معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي إن الرئيس الجزائري سيواجه “منطقة أصبحت أقل أمانًا بشكل كبير”، وتؤكد المعركة الأخيرة في شمال مالي بالقرب من الحدود مع الجزائر على انعدام الأمن المتزايد الذي تواجهه الجزائر في مناطق المغرب والصحراء والساحل.

لم يقتصر الأمر على هزيمة القوات المسلحة المالية على يد تحالف من القوات المتمردة، بل إن مشاركة المرتزقة الروس من منظمة فاغنر والمستشارين الأوكرانيين تسلط الضوء بشكل أكبر على الأبعاد العابرة للحدود على نحو متزايد لهذه الصراعات “المحلية”.

كما أنه في السنوات القليلة الماضية، كان أحد النقاط المضيئة القليلة للجزائر هو الهدوء النسبي للحرب الأهلية في ليبيا، مما قلل من المخاوف بشأن انعدام الأمن عبر الحدود في حدودهما الصحراوية المشتركة، لكن جاء هذا “السلام” دون أي اختراقات سياسية جوهرية لإنهاء الصراع الليبي بشكل نهائي.

كما أن الطريقة التي تم بها إيقاف الحرب الأهلية في ليبيا في أوائل عام

2020

كانت سببًا للقلق بالنسبة للجزائريين، حيث جاءت نتيجة لتدخل عسكري تركي حاسم بناءً على طلب حلفائهم السياسيين في الجانب المتمركز في طرابلس من الحكومة الليبية المنقسمة.