مواجهة جديدة فتحتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس هذه المرة مع المنظمات والجمعيات التي تعنى بمراقبة الانتخابات الرئاسية في تونس، حيث رفضت هيئة الانتخابات التونسية طلبات كل من منظمة “أنا يقظ” وجمعية “مراقبون” لتغطية الانتخابات الرئاسية التونسية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024.
فبعد أن أغلقت هيئة الانتخابات ملف المرشحين للانتخابات الرئاسية ورفضت قرارات المحكمة الإدارية بإعادة 3 مرشحين للسباق الرئاسي، رفضت منح “أنا يقظ” و”مراقبون” اللتين سبق وأن كانتا فاعلتين بانتخابات سابقة، بما في ذلك الانتخابات التي شهدت وصول قيس سعيّد لأول مرة إلى قصر قرطاج.
لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كان لها هذه المرة رأي آخر، وسط اتهامات لتلك الجمعيات بتلقي “تمويل خارجي مشبوه”، وهي ذات الاتهامات التي كررها الرئيس قيس سعيّد في أكثر من مناسبة خلال حديثه عن بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية في تونس.
أسباب منع “أنا يقظ” و”مراقبون”
يوم السبت 7 سبتمبر/أيلول 2024، قالت عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نجلاء العبروقي، إن عدداً من الجمعيات التي أودعت لدى الهيئة مطالب اعتماد لملاحظة الانتخابات الرئاسية، وردت في شأنها إشعارات من جهات رسمية حول تلقيها “تمويلات أجنبية مشبوهة”.
كما أضافت العبروقي في تصريحات نقلتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية، أنه تمت إحالة هذه الإشعارات على النيابة العمومية، وأشارت إلى أنه من بين هذه الجمعيات منظمة “أنا يقظ” وجمعية “مراقبون”.
وقالت العبروقي إن عدة جمعيات أخرى جاري التحري في شأنها ولم يتم البت بعد في مطلب الاعتماد الذي أودعته، مشيرة من جهة أخرى أنه تم إسناد هذا الاعتماد إلى عدد من الملاحظين بجمعيات توفرت فيها الشروط المستوجبة.
فيما شددت العبروقي على أن هيئة الانتخابات “لن تتوانى في التحري وتطبيق القانون على الجميع ضماناً لشفافية ونزاهة العملية الانتخابية وضماناً لانتخابات تعبر عن الإرادة الحقيقية للناخب التونسي بعيداً عن التأثيرات الداخلية والخارجية”.
فيما زعمت عضو هيئة الانتخابات التونسية أن المال الأجنبي “يؤثر في العملية الانتخابية ويصل إلى حد التدخل في القرار الوطني والسيادة الوطنية خدمة لأجندات ومصالح مشبوهة”.
واعتبرت العبروقي أن هيئة الانتخابات حددت شروط ومعايير اعتماد الملاحظين والضيوف والصحفيين المحليين والأجانب، وشددت على ضرورة الالتزام بالحياد والاستقلالية والنزاهة.
وكررت هيئة الانتخابات التونسية نفس خطاب الرئيس قيس سعيّد عندما زعم أن هناك جمعيات حقوقية تتلقى “أموالاً مشبوهة”، وحذر سعيّد من التدخل الأجنبي في شؤون تونس باسم المجتمع المدني، وقال “نحن لا نريد مجتمعاً مدنياً يمثل امتداداً لقوى ودول من الخارج ويجب ضبط الأمور في هذا المستوى”.
فيما حذّر عشرات من أساتذة القانون البارزين، وعمداء كليات الحقوق التونسية، في بيان الخميس
5
سبتمبر/أيلول، من أن الانتخابات الرئاسية مهددة بفقدان شرعيتها ومصداقيتها إذا لم تعد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
3
مرشحين إلى السباق الانتخابي، تنفيذاً لقرار المحكمة الإدارية.
كيف ردت الجمعيتان على قرار الهيئة؟
يوم الجمعة 6 سبتمبر/أيلول 2024، طالبت شبكة “مراقبون”، المختصة في متابعة الشأن الانتخابي، في بيان هيئة الانتخابات التونسية بالإجابة على مطالبها المقدمة للحصول على مطالب “الاعتماد”، البالغ عددها 1220 مطلباً مبينة أنها لم تتلق إلى حدود يوم أمس (الخميس 5 سبتمبر/أيلول) أية إجابة من قبل هيئة الانتخابات على مطالب الاعتماد “المستوفية للشروط القانونية”.
وحسب ما ورد في موقعها الرسمي، فإن “مراقبون” هي جمعية خاضعة للقانون التونسي، غير سياسية وغير ربحية، وبفضل قدرتها الكبيرة على تعبئة المواطنين، يعتبر “مراقبون” اليوم لاعباً رئيسياً في مراقبة الانتخابات في تونس.
بينما تعتبر “أنا يقظ” منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة تهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية. وأصبحت “أنا يقظ” نقطة الاتصال الرسمية لمنظمة الشفافية الدولية بتونس عام 2013 وهي منذ 2017 الفرع تحت التأسيس لمنظمة الشفافية الدولية بتونس.
رداً على اتهامات هيئة الانتخابات التونسية، مؤسس “أنا يقظ” أشرف العوادي، كتب على صفحته بموقع “فيسبوك”، بشأن أسباب استهداف منظمته: “يقول القايل علاش استهداف شبكة مراقبون بالذات؟ مراقبون منذ 2014 تستعمل في تقنية PVT أو الاحتساب السريع للأصوات”.
وأضح عوادي: “كان تتذكرو في الانتخابات الي فاتو الكل. مراقبون كانت قادرة تعطي نتائج الانتخابات 4 ساعات بعد غلق مكاتب الاقتراع. معناها نهار 6 اكتوبر المفروض مراقبون تنجم تعرف النتائج الحقيقية للانتخابات. وبالطبيعة بوعسكر يعرف هذا مليح”.
بينما قالت منظمة “مراقبون” في بيان لها إنها راسلت هيئة الانتخابات التونسية في أربع مناسبات للاستفسار حول مآل مطالب الاعتماد الخاصة بالجمعية، و”بكل أسف لم ترد هيئة الانتخابات على أي مطلب أو مراسلة”.
وأكدت أن هيئة الانتخابات التونسية “ملزمة قانوناً بالإجابة على مطالبنا في الاعتماد، وذلك في أجل لا يتجاوز خمسة أيام من تاريخ إيداع المطالب بأي وسيلة تترك أثراً كتابياً”.
كما قالت إن هيئة الانتخابات التونسية ملزمة على الانضباط إلى مبدأ المساواة في التعامل مع جميع المتدخلين في العملية الانتخابية، و”معاملتنا بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع زملائنا في منظمات المجتمع المدني فيما يتعلق بالحق في الاعتماد حسب ما يضبطه القانون”.
لماذا استهدفت هيئة الانتخابات التونسية المنظمتين؟
في الوقت الذي التزمت فيه أغلب المنظمات والجمعيات الحقوقية الصمت تجاه رفض هيئة الانتخابات التونسية الامتثال لقرارات المحكمة الإدارية، والمنع “التعسفي” لمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية التونسية، منظمتا “أنا يقظ” و”مراقبون” كان لهما رأي آخر.
إذ طعنت منظمة “أنا يقظ” في قرار هيئة الانتخابات المتعلّق بضبط القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية لسنة 2024.
وأعلنت المنظمة في بيان لها الخميس 5 سبتمبر/أيلول 2024، أنها تقدمت بدعوى تجاوز سلطة ومطلب تأجيل وتوقيف تنفيذ في قرار الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات المتعلّق بضبط القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية.
إذ أصدرت المحكمة الإدارية أحكام قضائية باتة في القضايا بتاريخ 27 و 29 و 30 أوت 2024 وفحواها نقض قرارات رفض الترشح الصادرة عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقبول مطالب المترشحين الثلاثة.
وقد رفضت الهيئة تنفيذ هذه الأحكام متعللة بعدم تبليغها بنصوص الأحكام رغم توصّلها بمنطوق الأحكام، وفق ما جاء في بيان المنظمة.
وقالت إن ذلك يعتبر ذلك مخالفة صريحة وواضحة للفصل 10 من القانون عدد 40 لسنة 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية الذي ينصّ على أنّه “يُعتبر عدم التنفيذ المقصود لقرارات المحكمة الإدارية خطأ فاحشاً معمراً لذمة السلطة الإدارية المعنية بالأمر”.
واعتبرت منظمة
“أنا يقظ”
أن تجاوز الهيئة العليا للانتخابات لقرارات المحكمة الإدارية يعدّ خرقاً جسيماً للقانون وضرباً ممنهجاً لدولة القانون والمؤسسات وضرباً للأمان القضائي والقانوني.
بدورها قالت منظمة
“
مراقبون
” إن الأوضاع الحالية تُظهِر بوضوح المشاكل العميقة التي تعاني منها العملية الانتخابية في تونس، وتكشف عن إخفاقات جسيمة تضر بنزاهة وشفافية الانتخابات.
وأضافت “مراقبون” أن تجاهل قرارات المحكمة الإدارية “ليس فقط انتهاكًا صارخًا لمبادئ دولة القانون، بل هو تهديد مباشر لنزاهة العملية الانتخابية وشرعيتها”.
كما شددت المنظمة على أن استبعاد بعض المترشحين بناءً على معايير غامضة وغير مبررة “هو إهانة واضحة لمبادئ العدالة والشفافية التي ينبغي أن تكون أساس العملية الانتخابية”.