الأخبار

هل تتطور المواجهات في الضفة الغربية؟ كاتب إسرائيلي: “الظروف مهيأة لانتفاضة جديدة”!

في الوقت الذي تستمر به حرب الإبادة في غزة دون توقف٬ ويعاني فيه أيضاً الشارع الإسرائيلي من الانقسام الشديد بسبب اتهامات لحكومة نتنياهو بالتفريط في حياة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس في غزة٬ وإعطاء محور فيلادلفيا في جنوب غزة الأولوية على حساب قضيتهم٬ أصبحت الضفة الغربية مركزاً لصراع دامٍ يمكن أن يتطور إلى معركة أوسع نطاقاً٬ حيث تقود التيارات الصهيونية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية الهجوم على قرى وبلدات فلسطينية٬ إلى جانب اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمدن ومخيمات شمال الضفة٬ واشتباكه مع العديد من المجموعات المسلحة الفلسطينية.

وتقول وسائل إعلام إسرائيلية٬ إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى تدمير “آلاف الأسلحة والقضاء على رؤوس الخلايا المحلية المتمركزة في مخيمات اللاجئين من أجل إحباط الهجمات ضده”. لكن في الوقت نفسه، يسعى ممثلو اليمين المتطرف، برئاسة الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يعتمدون على “ميليشيات مارقة” من المستوطنين مسلحين، إلى خلق حقائق جديدة على الأرض من شأنها أن “تقوض الحرب ضد الخلايا المسلحة”.


“تصعيد استثنائي وخطير” في أسلوب المقاومة بالضفة

يرى الكاتب في صحيفة هآرتس٬ تسفي باريل٬ إن العمليات الأخيرة في الضفة وخصيصاً في جنوبها إلى تقييم إسرائيلي مفاده أن هناك تصعيد استثنائي وخطير في أسلوب عمل المجموعات المسلحة في الضفة الغربية. ولكن بعيداً عن الجوانب التكتيكية لهذا الأسلوب من العمل، والتي تذكرنا بأيام الانتفاضة الثانية القاتلة، فإنه من المبكر للغاية أن نحدد ما إذا كانت هذه العمليات تشكل استراتيجية فلسطينية جديدة مصممة لتوليد انتفاضة مماثلة للانتفاضة التي اندلعت في السنوات الأولى من الألفية.

ويرى باريل أن معظم الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الهائلة التي يعيشها منذ بداية الحرب في غزة، وفقدان نحو 100 ألف وظيفة في الداخل٬ وانعدام حرية التنقل بسبب تقييدات الجيش، لم يصل بعد إلى حد “المقاومة الجماهيرية”. وقال مصدران في حركة فتح لصحيفة “هآرتس” إن “ضبط النفس في الضفة ينبع من الخوف من أن تواجه الضفة الغربية نفس مصير غزة”.

وتبرر هذه المصادر كلامها بالقول: أولاً، “الدمار الذي زرعته إسرائيل في قطاع غزة كبير، حيث قتلت أكثر من 40 ألف شخص فلسطيني، وقتلت كل ما يتحرك ويخيف الناس ويردعهم”. ثانياً، تزعم هذه المصادر “أن بعض المشاعر العامة في الضفة الغربية هي أن الحرب في غزة هي حرب بين حماس وإسرائيل، وليست صراعاً فلسطينياً يتطلب تعبئة جماهيرية لمواجهة عنيفة مع إسرائيل. وأن الحرب في غزة تخدم مصالح إيران وليس المقصود منها المساعدة في تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال”. ثالثاً، تقول هذه المصادر٬ إن الخلافات الداخلية بين قادة وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وداخل فتح، أي بين أنصار محمود عباس ومنافسيه، بين الناس الذين يدفعون نحو تعزيز المصالحة بين حماس وفتح وأولئك الذين يعارضونها أو يدعون إلى الانتظار حتى انتهاء الحرب، تؤدي إلى حالة لا تجري فيها مناقشات استراتيجية، لا في القضايا الدبلوماسية ولا في الجوانب العملياتية على الأرض”.

خلافات داخل منظمة التحرير

وفي الخامس عشر من أغسطس/آب، أعلن محمود عباس، الذي زار روسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية، بشكل دراماتيكي في البرلمان التركي أنه “في غياب أي حلول أخرى، قررت الذهاب إلى غزة برفقة أعضاء آخرين من القيادة الفلسطينية. وسأبذل كل ما في وسعي حتى نتمكن من الوقوف معاً من أجل وقف هذا الهجوم الوحشي، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا. فحياتنا ليست أغلى من حياة طفل صغير في غزة أو أي طفل فلسطيني”.

ولكن المعارضة الإسرائيلية لا تمنع عباس من تسويق هذه الخطوة، التي قد تشكل في حال تنفيذها بداية لخطة “اليوم التالي” التي تتضمن إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة معبر رفح الحدودي. وهذا هو بالضبط ما لا يريده نتنياهو، الذي يعمل، بحجة أن هذه “سلطة إرهابية” و”توأم لحماس”، على نسف أي حل من شأنه أن يجبر “إسرائيل” على الانسحاب من قطاع غزة.

ولكن ليست المعارضة الإسرائيلية وحدها هي التي تشكل عقبة أمام عباس. يقول تسيفي باريل٬ إن في داخل منظمة التحرير الفلسطينية هناك العديد من المعارضين لهذه الخطوة، سواء بسبب “فكرة أن هذا من شأنه أن يشكل طعنة سكين في ظهر حماس في حين تقاتل إسرائيل من أجل بقائها”، أو فكرة التنازل عن مبدأ وضعه عباس نفسه، والذي بموجبه سيتم تحديد تشغيل معبر رفح والمعابر الأخرى في قطاع غزة كجزء من الحل الدبلوماسي الشامل”، كما قال مصدر في فتح لصحيفة هآرتس.


“الظروف مهيأة لانتفاضة فلسطينية عنيفة جديدة”

وفي غياب اتفاق بين القادة الفلسطينيين حول كيفية إدارة “النضال ضد إسرائيل”، ونظرا لمعارضة عباس المعلنة للمقاومة المسلحة، فإن المسلحين على الأرض في الضفة يعملون بشكل مستقل، مع التنسيق مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ولكن إذا لم تنجح الحرب في غزة في دفع زعماء السلطة في الضفة الغربية أو منظمة التحرير الفلسطينية، إلى الانضمام إلى “وحدة الجبهات” بين الضفة وغزة، فإن القلق الآن هو أن العصابات الإرهابية اليهودية التي تهاجم المدن والقرى الفلسطينية، والتي يرعاها بن غفير وشركائه للسيطرة على الحرم القدسي، سوف تؤدي إلى نضوج الظروف اللازمة لانتفاضة مدنية فلسطينية عنيفة جديدة٬ كما يقول الكاتب الإسرائيلي. وإذا كان الأمر كذلك، فإن السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح الحدودي لن تفيد “إسرائيل”، سواء على الصعيد الأمني ​​أو الدبلوماسي.

ويستهل باريل في مقالته بهآرتس٬ بمقال كتبه الباحث الفلسطيني خالد الحروب في صحيفة العربي الجديد يوم السبت شديد النقد، أكد فيه أن “الشجاعة التي يبديها الآن الشباب العاملون في الخلايا المسلحة في الضفة الغربية لا تغير شيئاً في المخطط الأكبر للأمور”. ويضيف الحروب: “إنهم يبذلون الكثير من التضحيات لكنهم يقدمون للعدو الكثير من الذرائع للعمل بحرية وبأقصى ما يمكن من قوة لارتكاب جرائمه”. مشيراً إلى أن “ما ينقصنا هو الاستراتيجية”. و”في ظل الظروف التي يكون فيها ميزان القوى ضدنا بشكل حاسم، فإن البقاء في حد ذاته هو المقاومة”.

“وحدة الجبهات” بين الضفة وغزة

ولكن موقف الحروب ضد الصراع المسلح قد يفقد صلاحيته في مواجهة الهجمات العنيفة المنهجية التي يشنها المستوطنون على الضفة، ودعوة بن غفير إلى إقامة كنيس يهودي داخل الحرم القدسي، وفوق كل ذلك٬ اللامبالاة التي يبديها الجيش تجاه هذه الإجراءات٬ والدعم الذي تتلقاه هذه التيارات المتطرفة من رئيس الوزراء٬ كما يقول تسيفي باريل.

في النهاية٬ فإن تغيير الوضع في الحرم القدسي، والاعتداءات العنيفة ضد الفلسطينيين من قبل ميليشيات المستوطنين، والوضع الاقتصادي الكارثي في الضفة الغربية، تشكل العناصر المتفجرة التي يتضمنها كل تحذير يقدمه جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) لرئيس الوزراء٬ وهذه العناصر هي التي قد تؤدي إلى خلق “وحدة الجبهات” بين الضفة الغربية وغزة، والتي تبدو الآن أقرب من أي وقت مضى.