عمقت أزمة الأسرى الإسرائيليين الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية والمجتمع كذلك٬ حيث عم الإضراب الشامل، الإثنين 2 سبتمبر/أيلول 2024، كافة مناحي الحياة في دولة الاحتلال٬ فيما توقفت الرحلات الجوية في مطار بن غوريون، وذلك استجابة لدعوة اتحاد نقابة العمال “الهستدروت”، سعياً لدفع حكومة نتنياهو إلى إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس بغزة.
ويأتي الإضراب الذي شمل المرافق التجارية والاقتصادية والصحية والتعليمية والمواصلات العامة والوزارات الحكومية، في أعقاب مظاهرات ضخمة شاركت فيها قيادات المعارضة، عقب استعادة جثامين 6 إسرائيليين مقتولين من قطاع غزة٬ كانوا أحياءً خلال الفترة الماضية التي كان من الممكن التوصل بها إلى اتفاق بين المقاومة والاحتلال٬ لكن نتنياهو قام بتعطيلها٬ كما يتهمه معارضوه.
هل تطيح أزمة الأسرى الإسرائيليين المقتولين بنتنياهو؟
تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية٬ إنه في الأسابيع التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في حالة صدمة، وهو ما اتضح، كالمعتاد، في سلسلة من ردود الفعل غير المترابطة٬ ففضلاً عن العواقب الشخصية المترتبة على مسؤوليته عن الكارثة التي لا توصف، أشارت استطلاعات الرأي إلى انهيار كامل في الدعم الذي يحظى به نتنياهو وحزب الليكود. ومن المتوقع أن تهبط مكانة الحزب في الكنيست إلى أدنى مستوى لها منذ الفترة القاسية التي قضاها نتنياهو وزيراً للمالية في حكومة أرييل شارون.
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تحدث نشطاء اليمين وخاصة أولئك المنتمون إلى حزب الليكود، ضد نتنياهو بازدراء غير مسبوق. وتحدث وزراء من حكومته، خوفًا من الظهور في الأماكن العامة بسبب الغضب العام، ضد نتنياهو بعبارات قاسية (وإن كان ذلك دائمًا في تصريحات غير منسوبة). وشعر أنصار الحكومة بالذنب لأن عملهم اليدوي قاد إسرائيل إلى أحلك أيامها. وكان من العار أن يكون الإسرائيلي من أنصار نتنياهو٬ كما تقول هآرتس.
وتضيف الصحيفة٬ أنه سفك الكثير من الدماء منذ ذلك الحين، ونجح نتنياهو ليس فقط في استعادة السيطرة على الليكود، بل ونجح أيضا في استعادة ثقة اليمين المتطرف ووضع نفسه باعتباره صوته الحقيقي للعالم الأوسع، والذي تم شيطنته بشكل فعال. واعتبر نتنياهو الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمؤسسة الدفاعية – وحتى عائلات الرهائن – أعداءً، وبنوك أهداف، وأكياس ملاكمة، وكل ذلك بهدف إعفاء الحكومة ورئيسها من أي مسؤولية عن الفشل والوضع المتدهور باستمرار في إسرائيل.
وقفز الخطاب المؤيد لنتنياهو الذي يشهر بالاحتجاجات المناهضة للحكومة ويتهمها بالخيانة والعمالة لإيران٬ إلى العلن مرة أخرى، مما مكن شخصيات مثل وزير العدل المتطرف ياريف ليفين من الشعور بالراحة الكافية لاستئناف مضايقة المجتمع الإسرائيلي.
ومع ورود أنباء عن مقتل ستة أسرى بالرصاص في غزة٬ وهو ما حطم أكاذيب رئيس الوزراء نتنياهو بأن “هناك وقتاً لتحقيق نتائج أفضل في المفاوضات مع حماس” وأن “الرهائن يعانون، ولا يموتون”، واجهت الحملة الداعمة لنتنياهو صعوبات خطيرة٬ بحسب هآرتس٬ حيث كانت تلك اللحظة التي انهار فيها الإنكار اليميني، الذي أصر في البداية على أن “الضغط العسكري فقط هو الذي سيعيد الأسرى إلى منازلهم”، ثم حول السيطرة على ممر فيلادلفيا إلى حجر الزاوية في أمن إسرائيل وقدمه على ملف الأسرى.
البقاء في محور فيلادلفيا “خطأ استراتيجي فادح”
تقول هآرتس٬ من المفيد أن نتذكر الإطار الزمني: منذ شهر مايو/أيار الماضي، كان هناك اقتراح لصفقة -منسوبة إلى نتنياهو- على الطاولة، كما أعلن عن ذلك بايدن من أجل إجبار نتنياهو الذي لم يثق في قدرته على الوفاء بكلمته٬ على قبول ذلك المقترح.
وبعد أن وافقت حماس على الاقتراح في يوليو/تموز، خلق نتنياهو عقبات جديدة لإفشال الأمر٬ من خلال الإصرار على البقاء في ممرات فيلادلفيا ونتساريم بغزة. وفي نهاية المطاف، خفف نتنياهو من حدة موقفه بشأن ممرات نتساريم، ولكنه وضع ثقله بالكامل في محور فيلادلفيا جنوب رفح٬ مدعياً أن “الوقت ما زال متاحاً لمواصلة المفاوضات”٬ وجاء الرد على هذا التأكيد يوم الأحد٬ حيث قتل الأسرى الـ6.
تقول الصحيفة العبرية٬ إن هناك “أسباباً عسكرية وجيهة” لبقاء “إسرائيل” في محور فيلادلفيا، الذي لعب دوراً مهماً تعاظم قوة حماس، وبالتالي شكل خطراً كبيراً على أمن الإسرائيليين٬ وسوف تشكل هذه القاعدة مشكلة بالنسبة لإسرائيل لسنوات عديدة قادمة. ولكن الإصرار على استمرار الوجود الإسرائيلي في الوقت الراهن ليس مناورة خاطئة وساخرة وقاسية من جانب رئيس الوزراء فحسب، بل إنه أيضاً خطأ استراتيجي فادح٬ بحسب وصف الصحيفة.
والآن، في الوقت الذي تعاني فيه “إسرائيل” من تمزق داخلي بسبب فشل أخلاقي وأمني وعسكري من جانب قيادتها، قد يلجأ زعيم حماس يحيى السنوار مرة أخرى إلى تشديد شروطه في المفاوضات. والنتيجة هي أن نتنياهو، كالمعتاد، سوف يحصل على نتيجة أسوأ مما كان ليحصل عليه٬ ولكن الثمن هذه المرة باهظ للغاية.
“إسرائيل في أحل الفصول من تاريخها
“
ترى هآرتس٬ أن إسرائيل الآن أمام “اختيار مرعب”، ولا ينبغي أن يستند إلى حسابات سياسية، بل إلى “قدسية حياة الإسرائيليين”٬ وهو ما يتعارض مع آراء عدد غير قليل من الوزراء في حكومة نتنياهو نفسها، الذين تعاونوا في صمتهم الجبان والإجرامي مع أولئك الذين يقودون هذه المشاعر “غير الأخلاقية وغير اليهودية”، وبالتحديد بتسلئيل سموتريتش ايتمار بن غفير.
إن الرأي العام الإسرائيلي هو الذي سيحدد ما إذا كان أحد أحلك الفصول في تاريخ إسرائيل سينتهي بتخلي قادته عن الإسرائيليين وبحزن عائلات الأسرى٬ أو ما إذا كان “صوت العقل والإنصاف سوف يسود”، خالياً من الانتماء السياسي أو الولاء الحزبي نتنياهو٬ ويؤدي إلى إنقاذ أولئك الذين يمكن إنقاذهم وإعادتهم إلى عائلاتهم.
وتقول الصحيفة٬ من المشجع أن نعلم أن أرنون بار دافيد رئيس الموساد٬ وكذلك رئيس اتحاد العمال “الهستدروت” قد اختارا الانضمام إلى الاحتجاجات وإغلاق البلاد في إضراب عام. وهذا مقياس جيد للمزاج العام السائد. فهذه ليست معركة دفاعية من أجل حياة الرهائن فحسب، بل إنها “معركة من أجل صورة إسرائيل الذاتية والقيمة التي توليها للحياة البشرية”٬ على حد وصف هآرتس.