بعد عطلة صيفية قضتها معظم الأسر المغربية في نهج سياسة “التقشف” خلال سنة اتسمت بارتفاع الأسعار في أغلب المواد الاستهلاكية.
وعلى بعد أيام من استئناف الموسم الدراسي لهذه السنة، تعالت أصوات آباء تلاميذ المدارس الخاصة، بعدما أعلنت مجموعة من هذه المدارس عن الرفع من الرسوم الخاصة بالدخول المدرسي بالإضافة إلى الواجبات الشهرية.
تكاليف باهظة
أقرت مجموعة من المدارس الخاصة بالمغرب زيادات جديدة تتراوح بين 200 و300 درهم، حسب المدن والمناطق بالمملكة، وكذلك حسب العرض الدراسي الذي تقدمه كل مؤسسة.
يؤكد “يوسف” الذي تخرج ابنه للتو من إحدى الثانويات الخاصة “أنفقت ما يزيد على 250 ألف درهم من أجل ضمان تعليم جيد لابني، وما زلت أنفق على ابنتي الصغرى”.
مضيفًا أنه بالرغم من تكاليف التعليم الباهظة التي تدفعه إلى التخلي عن بعض الأنشطة كالسفر، إلا أنه لا يستطيع أن يتراجع عن اختيار المدارس الخاصة خوفًا من تراجع مستوى أبنائه الدراسي.
“إيمان” أم لطفلين يتابعان دراستهما بإحدى المدارس الخاصة بالدار البيضاء (وسط المغرب)، تفوق مصاريف تعليمهما الشهري 3000 درهم فيما تجاوزت رسوم الدخول 4000 درهم.
قالت “إيمان” في حديثها لـ”عربي بوست” إن إدارة المدرسة في كل سنة “تطالب بزيادة 200 درهم، بينما تكون زيادة بقيمة 500 درهم عند تجاوز الطفل لمرحلة دراسية ما بين الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي”.
زيادات “عشوائية وغير مبررة”
ما بين 100 درهم و1000 درهم، هي قيمة الزيادات التي تفرضها مؤسسات التعليم الخاص، وفق تنافسية وتسويق هذه المدارس، وكأنها علامات تجارية وليست مؤسسات تقدم خدمة عمومية في منتهى الأهمية.
من جانبه، أوضح رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، نور الدين عكوري، أن “الزيادات التي تفرضها مدارس التعليم الخصوصي على الأسر عشوائية وغير مقبولة، خاصة أن تلك الزيادات غير مبررة من طرف إدارة هذه المؤسسات”.
وشدد عكوري في حديثه لـ”عربي بوست” على أن “أي زيادة تريد فرضها إدارات المؤسسات العمومية، ينبغي أن تكون على أسس، كالبنيات التحتية والمرافق لتلك المؤسسات، أو على مستوى الأطر التربوية والإدارية العاملة فيها”.
مع استمرار الزيادات، بدأت شرارة الخلافات بين أولياء التلاميذ والمدارس الخاصة تشتعل، حيث اجتمعت بعض الأسر على مستوى مدن الرباط وسلا والقنيطرة، من أجل توحيد موقف يرفض هذه الزيادات.
وأكد عكوري أن فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب “تلقت شكايات من أسر بعدد من المدن حول الزيادات غير المبررة، وقيام بعض المؤسسات التعليمية بتخيير الأسر بين قبول الزيادة أو البحث عن مدارس جديدة لأبنائها”.
“موجة غلاء”
ويرى أرباب المؤسسات الخاصة أن هذه الزيادات مرتبطة بالظرفية التي نعيشها اليوم، وهي امتداد لموجة الغلاء التي يعيشها المغرب، ويتضرر منها الجميع على حد سواء.
وقال رئيس رابطة أرباب المدارس الخاصة، عبد السلام عمور، إن زيادة الأسعار في المؤسسات الخاصة لا تختلف عن باقي القطاعات، والتي تدخل في “موجة الغلاء الحاصل”.
ورفض عمور تحميل أرباب المدارس مسؤولية الابتزاز مؤكدًا على أن المدرسة تبدأ من المجانية إلى 4000 درهم، وفي الخاص تبدأ من 400 درهم، وكل شخص يختار حسب إمكانياته.
وحول كون هذه الزيادات تكون بتوافق وطني بين أرباب المدارس الخاصة أم هي اجتهادات معزولة، أكد عمور أن كل إدارة حرة في تسيير مؤسستها، وليس هناك أي تدخل من جهة معينة.
ويقوم الساهرون على تقييم سعر التعليم بناءً على دراسة وبناءً على عدة معطيات، وحسب ما هو مدرج في عقد الأسرة والمدرسة، فإن واجب التمدرس يكون معزولاً عن أي خدمات إضافية.
وحسب رئيس رابطة أرباب المدارس الخاصة، فإن الاختلافات الحاصلة في الأسعار راجعة للمردودية والخدمات والموقع الجغرافي وبنية المدرسة.
صدى الزيادات يصل البرلمان
وصل صدى الزيادات في أسعار التسجيل في المدارس الخاصة إلى قبة البرلمان عبر سؤال كتابي موجه لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى.
ووجه السؤال فريق حزب “التقدم والاشتراكية” (حزب معارض) بمجلس النواب، حول “غياب مراقبة واجبات وجودة الدراسة بمؤسسات التعليم الخصوصي، وحول مدى مصداقية المعدلات السنوية التي يحصل عليها تلاميذ وتلميذات عدد من مثل هذه المؤسسات”.
وأكد الحزب المعارض على أن العديد من الأسر المغربية التي تلجأ، غالبًا تحت ضغط الاضطرار، لخدمات مؤسسات التعليم الخصوصي، سجلت زيادة صاروخية دون خضوع هذه الأخيرة لأية رقابة أو مساءلة.
ليتحول تدريس أبناء هذه الأسر في المؤسسات التعليمية الخصوصية إلى “هاجس كبير بات يؤرق الكثير منها مع كل دخول مدرسي جديد”.
وساءل الفريق وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عن الإجراءات والتدابير الممكن اتخاذها من أجل منع تبضيع خدمة التعليم، وحماية الأسر المغربية من جشع بعض مؤسسات التعليم الخصوصي.
داعيًا الوزارة المعنية إلى مراقبة أنماط البيداغوجيا والتقويم المعتمدة عمليًا وفعليًا لديها، وتحديد أسقف الرسوم والواجبات المالية التي تفرضها على الأسر.
مقررات مستوردة “غالية”
في إحدى المكتبات في الرباط (عاصمة المغرب)، يتواجد بعض الآباء، بعضهم يبحث عن مقررات من أجل استكمال محفظة ابنه، فيما البعض يستعلم عن أسعار هذه المقررات.
“عبد الله” جاء من مدينة سلا المجاورة للعاصمة بحثًا عن مقرر يخص اللغة الفرنسية، بعدما جاب العديد من الشوارع بمدينته دون جدوى.
قال “عبد الله” في حديثه لـ”عربي بوست” إنه “لم يتوفق في إيجاد هذا المقرر منذ يومين، قبل أن يجده في هذه المكتبة”، غير أن “عبد الله” تفاجأ بزيادة في سعره.
وخلال دردشة قصيرة مع صاحب المكتبة علمت”عربي بوست” أن الزيادات في أسعار الكتب المدرسية همت بالخصوص الكتب المستوردة التي تدرس في مؤسسات التعليم الخاص، ولم تشمل الكتب المدرسية المعتمدة في التعليم العمومي.
وأشار صاحب المكتبة إلى أن هذه الكتب هي مقررات باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكذلك المواد العلمية باللغة الفرنسية، والتي في الغالب تفرضها بعض المدارس الخاصة على الآباء. مما يثير تساؤلات حول دورها في فرض هذه المقررات وزيادة التكلفة على الأسر.
مؤسسات تلبس جلباب الكتبي
منذ أن بدأ العد التنازلي للدخول المدرسي، أعلن الكتبيون شجبهم ورفضهم لاستمرار بعض مؤسسات التعليم الخصوصي في لعب دورهم في بيع المقررات الدراسية، خاصة بعد تأكيد مهنيين على تفاقم الظاهرة لهذه السنة.
قال رئيس اتحاد الكتبيين بالمغرب، لحسن معتصم، إن الظاهرة انتشرت بحدة هذه السنة، خاصة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة وغيرها، حيث بلغت نسبة المؤسسات التي تبيع المقررات المدرسية 60 بالمائة.
وتبلغ أرباح المؤسسات الخاصة أو العائدات من بيع بعض المقررات ما بين 300 و1500 للمقرر الواحد، بالرغم من أن هناك مؤسسات تزعم أنها فقط تقوم بهذه العملية بدون أهداف ربحية.
وأوضح معتصم، في حديثه “لعربي بوست”، أن مؤسسات التعليم الخصوصي دورها هو التربية بموجب القانون المنظم لنشاطها، وليس السطو على دور الكتبي من خلال بيعها الكتب المدرسية.
“هذه الممارسة غير القانونية” كما وصفها رئيس اتحاد الكتبيين بالمغرب “تكبد الكتبي عدة خسائر، الذي يلتزم بالتصريح بعدد المبيعات وأداء الضريبة على الأرباح سنويًا”.
فيما المؤسسات الخصوصية “تقتني الكتب المدرسية التي تكون مستوردة من الخارج عبر التواصل مع المصدر بشكل مباشر دون تصريح، وهو ما يجعلها تحصل على مداخيل مهمة دون أن تؤدي أي ضرائب لمصلحة الدولة” يختم محدثنا.