ألقى الظلام الذي خيم على “إسرائيل” في وقت سابق من هذا العام الضوء على مدى ضعف نظام الطاقة في الكيان، حيث انقطعت الكهرباء لساعات وظلت أحياء في تل أبيب ومدينة بتاح تكفا المجاورة ومدينة بئر السبع الجنوبية بدون كهرباء بينما توقفت القطارات وأعدت الحكومة الإسرائيلية قوائم في مارس/آذار الماضي بالمعدات الأساسية اللازمة في حالة انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة.
وألقي اللوم في انقطاعات الكهرباء على سلسلة من “الأخطاء” ــ على الرغم من محاولة مجموعة قرصنة إيرانية بنسب الفضل لنفسها في هذا الفعل ــ ولكن أيا كان السبب، فقد أكد ذلك على الهشاشة التي أبقت رؤساء الأمن القومي في البلاد مستيقظين في الليل لعقود من الزمن، كما تقول مجلة Politico الأمريكية.
ويقول نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشاك فرايليتش لمجلة بوليتيكو إن تصاعد التوترات على الحدود مع لبنان قد يؤثر سلبًا على شبكة الكهرباء، حيث تبادل الطرفان هذا الأسبوع الضربات بشكل مكثف. وقال فرايليتش: “إذا قرر حزب الله مهاجمة محطات الطاقة الإسرائيلية وغيرها من المواقع، فإن ذلك سيشكل مشكلة كبيرة لنا. فهم يمتلكون صواريخ دقيقة قادرة على استهداف البنية الأساسية المدنية، ومن الصعب إدارة الدولة بدون كهرباء وبدون أجهزة كمبيوتر”.
“لعبة الغاز” الإسرائيلية والتحكم في الجيران
تقول المجلة الأمريكية إنه في ظل قلة مواردها الطبيعية، ظلت إسرائيل تشعر بالقلق منذ فترة طويلة بشأن الطاقة. وتعمل حصة الأسد من محطات الطاقة لديها بالغاز؛ وكانت إحدى الأمور التي حققتها إسرائيل في السنوات الأخيرة تتمثل في فطام نفسها عن الواردات الأجنبية من الغاز بعد اكتشاف نحو ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي قبالة سواحلها ــ وهو ما يعادل نحو سبعين عاماً من استهلاكها الحالي.
وبحسب إيلاي ريتيج، الأستاذ المساعد في الجغرافيا السياسية للطاقة في جامعة بار إيلان في تل أبيب، فإن الغاز يشكل أيضًا أداة دبلوماسية في مكافحة الجهود الرامية إلى عزل إسرائيل، حيث تشتري الدول المجاورة كميات ضخمة منه.
يقول ريتيج: “بالنسبة للأردن ومصر، سيكون من المستحيل مقاطعة إسرائيل في هذه المرحلة لأن إسرائيل، فهي التي تبقي على الأضواء مضاءة في عمان والقاهرة، وقد يقول البعض إن هذا خفف من حدة رد فعلهم وقيد قدرتهم على انتقاد إسرائيل في حربها على غزة”، وأضاف: “تعاني مصر بالفعل من انقطاع التيار الكهربائي ثلاث أو أربع مرات يوميًا، ويتم إنتاج حوالي 70٪ من الطاقة في الأردن بالغاز الإسرائيلي”.
لكن يهدد الآن تصاعد الصراع مع حزب الله الوضع الراهن في المنطقة. فقد تم بالفعل إغلاق حقل تامار ـ أحد الاحتياطيات الثلاثة الرئيسية للغاز الطبيعي ـ مؤقتاً بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة نظراً لقربه من غزة، كما يقع حقل ليفياثان الأكبر حجماً بالقرب من الحدود الشمالية وقد يصبح هدفاً لهجمات صاروخية من حزب الله.
يقول خبير الطاقة الإسرائيلي ريتيج: “إن أحد الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى تجنب حرب على جبهتين، ومواجهة حزب الله وحماس في نفس الوقت، هو أنها لا تستطيع أن تتحمل إغلاق حقلي تامار وليفيثان في نفس الوقت. إن إسرائيل لا تملك أي بديل للغاز. وإذا ضربت هذه الحقول، فإنك بذلك تلحق الضرر بأصدقائك، وليس فقط بأعدائك، لذا فإن تعاون هذه الدول يشكل أيضاً مصدراً للردع”.
كيف تؤمن “إسرائيل” حاجتها من النفط؟
لقد كان الوصول إلى النفط الخام والبنزين والديزل يشكل صداعاً كبيراً لصناع السياسات الإسرائيليين منذ فترة طويلة، كما أدت عمليات الحظر التي قادتها الدول العربية في أعقاب الحروب الإقليمية في عامي 1967 و1973 إلى أزمات طاقة مدمرة. ورداً على ذلك، بدأت أجهزة الأمن الإسرائيلية برنامجاً سرياً لتبادل الأسلحة مقابل النفط من الأنظمة الدكتاتورية الأفريقية.
في حين أن الإحصائيات الدقيقة لواردات إسرائيل من النفط تشكل سراً، فقد برزت أذربيجان الآن باعتبارها الشريك الرئيسي لها، حيث باعت لإسرائيل ما قيمته 300 مليون دولار من النفط الخام في يناير/كانون الثاني الماضي وحده، بينما تلقت كميات هائلة من الأسلحة لاستخدامها في صراعها مع أرمينيا المجاورة.
وقال أياز رضاييف، الباحث في مركز توبشوباشوف في باكو: “كانت إسرائيل تقدر أذربيجان باعتبارها حليفًا حاسمًا في العالم الإسلامي، حيث لا تقدم عمقًا استراتيجيًا فحسب، بل توفر أيضًا أمنًا أساسيًا للطاقة. وتوفر إسرائيل لأذربيجان إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية المتطورة، مما ساعد في الحفاظ على ميزة تكنولوجية كبيرة في المنطقة”.
ولكن حتى هذه العلاقة أصبحت أكثر غموضا مع تصاعد الحرب في غزة، كما قال رضاييف، نظرا لأن “أذربيجان تولي أيضا أهمية كبيرة لتضامنها مع الدول الإسلامية”. وأصبحت تركيا، أقرب حليف لأذربيجان، من أبرز دعاة القضية الفلسطينية منذ تفجر الصراع، حيث فرض الرئيس رجب طيب أردوغان حظرا تجاريا على إسرائيل. ويقول تشاك فرايليتش، المسؤول السابق في الأمن القومي: “السؤال الكبير هو ماذا يفعل الأتراك؟ فمعظم النفط الإسرائيلي يأتي عبر خطوط الأنابيب إلى تركيا، وإذا أرادوا فإنهم يستطيعون قطع الصنبور عنا”.
هجمات البحر الأحمر التي تزيد من تعقيد أزمة الطاقة
في الوقت نفسه، تواجه إسرائيل بالفعل تهديد الهجمات المباشرة على بنيتها التحتية والضغوط المتزايدة على شركائها الأردن ومصر، وهي تشهد أيضا استهداف خطوط إمدادها بشكل متزايد – ولا سيما من قبل جماعة الحوثيين ا في البحر الأحمر. ويمارس الحوثيون هجمات على حركة الشحن منذ العام الماضي، على الرغم من نشر تحالف بحري غربي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والوقود.
وفي حين كانت التأثيرات محدودة حتى الآن، فإن “سوق الغاز الإقليمي أصبح أكثر عرضة للخطر” وقد يصبح جلب الطاقة عبر البحر أكثر تكلفة وتعقيدا، وفقا لدان ماركس، خبير أمن الطاقة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
وقال لمجلة بوليتيكو: “نظرًا لأن سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية كان ضيق منذ غزو روسيا لأوكرانيا ومن المرجح أن يظل كذلك حتى عام 2025، فقد يكون لهذا آثار على الأسعار. إن وضع مصر كمركز إقليمي للغاز والضغوط السياسية المحلية بشأن أسعار الطاقة، جنبًا إلى جنب مع التأثير على عائدات قناة السويس، يعني أن لديها عددًا من الأسباب للبقاء على اتصال مع إسرائيل والدفع نحو وقف إطلاق النار”.
وفي الوقت نفسه، تلوح في الأفق صراعات أكثر مباشرة مع إيران بعد أن تعهدت طهران بالانتقام من إسرائيل ردا على هجوم في العاصمة أدى إلى اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة بوليتيكو في وقت سابق من هذا الشهر إن “واشنطن ستسعى إلى فرض قيود صارمة على مبيعات النفط الإيرانية التي تتحايل على العقوبات، مما قد يؤدي إلى تقليص الإمدادات التي تصل إلى السوق العالمية”.
قلق في “إسرائيل
“
ولكن بالنسبة لإسرائيل، فإن احتمال انقطاع التيار الكهربائي مع اقتراب المواجهة من الذكرى السنوية للصراع في أكتوبر/تشرين الأول من الممكن أن يؤدي إلى إحباط معنويات السكان، حسبما قال الخبراء.
وقال ريتيج، الأستاذ بجامعة بار إيلان: “الإسرائيليون ليسوا معتادين على انقطاع التيار الكهربائي. فنحن نعاني من انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات في المتوسط سنوياً، لذا فإن مجرد التفكير في انقطاع التيار الكهربائي لمدة يومين يتسبب في ذعر الإسرائيليين ويدفعهم الآن إلى شراء المولدات”.
ورغم أن هذا الأمر تسبب في حالة من الذعر في أماكن مثل تل أبيب وبتاح تكفا وبئر السبع في وقت سابق من هذا العام، إلا أنه يشكل معضلة اعتاد عليها أهل غزة لسنوات طويلة، كما ألحق القصف الذي استمر عشرة أشهر أضراراً بالغة بالبنية الأساسية المدنية، كما يتم تقنين توزيع الطاقة إلى حد كبير حيثما تتوفر. وقد دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى التوقف عن حجب إمدادات الوقود للمولدات الكهربائية، التي تغذي كل شيء من المستشفيات إلى المخابز. ولكن مع فشل المفاوضات في التوصل إلى اتفاق، تبدو الآمال في تحقيق الهدوء ضئيلة.