تعتبر اتفاقية هآرفا، والتي تعرف كذلك باسم “اتفاقية التهجير”، من بين الاتفاقيات التاريخية التي أثرت بشكل كبير على مسار الأحداث في القرن العشرين، خصوصا في ما يخص استيطان اليهود في الأراضي الفلسطينية.
إذ تم توقيع هذه الاتفاقية بين السلطات النازية في ألمانيا والصهاينة في فلسطين، وكان لها تأثيرات بعيدة المدى على اليهود والفلسطينيين على حد سواء.
في هذا المقال، سنستعرض السياق التاريخي للاتفاقية، الأطراف المشاركة فيها، بنودها، وتأثيراتها المختلفة.
اتفاقية هآرفا.. السياق التاريخي للاتفاقية
تم توقيع اتفاقية هآرفا في عام 1933، في فترة كانت فيها ألمانيا تحت حكم النظام النازي بقيادة أدولف هتلر.
وقد كانت هذه الفترة مليئة بالاضطرابات السياسية والاجتماعية، حيث كانت السياسات النازية تهدف إلى اضطهاد اليهود وإخراجهم من ألمانيا.
وفي هذا السياق، جاءت اتفاقية هآرفا كحل وسط بين السلطات النازية والصهاينة، حيث سمحت لليهود بالهجرة إلى فلسطين مقابل تحويل أموالهم وممتلكاتهم إلى دولة ألمانيا النازية.
وقد شارك في هذه الاتفاقية عدة أطراف وهم السلطات النازية في ألمانيا، والوكالة اليهودية في فلسطين، وعدة بنوك ألمانية، إضافة إلى الشركات الصهيونية.
وجاءت الاتفاقية في الأساس من أجل إنقاذ ألمانيا من الوضع الاقتصادي الذي كانت تعاني منه بسبب تفشي البطالة، خلال بداية فترة حكم هتلر، من خلال نقل البضائع الألمانية للبيع في الشرق الاوسط.
لتسهيل هجرتهم.. هكذا كانت بنود الاتفاقية
تضمنت اتفاقية هآرفا عدة بنود رئيسية تهدف إلى تسهيل هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين، وضمان تحويل أموالهم وممتلكاتهم بطريقة منظمة. كانت هذه البنود تشمل:
- السماح لليهود ببيع ممتلكاتهم في ألمانيا وتحويل الأموال إلى فلسطين.
- تقديم تسهيلات مصرفية لتحويل الأموال.
- توفير وسائل نقل لليهود المهاجرين.
- تقديم دعم مالي للمهاجرين اليهود في فلسطين.
وقد كان لاتفاقية تأثير كبير على الاقتصاد الألماني، حيث ساهمت في تدفق الأموال من اليهود المهاجرين إلى فلسطين.
هذا التدفق المالي ساعد في تعزيز الاقتصاد الألماني في فترة كانت فيها البلاد تعاني من أزمة اقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الاتفاقية في تقليل الضغط الاجتماعي والسياسي على النظام النازي من خلال تقليل عدد اليهود في ألمانيا.
تأثيرات الاتفاقية
كان لاتفاقية هآرفا تأثيرات كبيرة على اليهود والفلسطينيين على حد سواء، إذ أنها من جهة، ساعدت اليهود في الهروب من الاضطهاد النازي والانتقال إلى فلسطينـ إلا أنها كانت من بين الطرق التي مهدت إلى الإحتلال الإسرائيلي في المنطقة، وبداية تأسيس دولة الاحتلال من طرف اليهود الصهاينة.
فقد كانت اتفاقية هآرفا فرصة أمام آلاف اليهود، الذين زاد عددهم عن 50 ألف شخص من الهجرة إلى فلسطين، حيث وجدوا ملاذًا آمنًا بعيدًا عن الاضطهاد النازي، وهو الشيء الذي تم استغلاله بعد ذلك من أجل تهجير المواطنين الفلسطينينن من ديارهم خلال أحداث النكبة.
الانتهازية والبراغماتية الصهيونية
تعتبر اتفاقية هآرفا مثالًا واضحًا على الانتهازية والبراغماتية الصهيونية، حيث استغل القادة الصهاينة الفرصة للتعاون مع النظام النازي لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية.
فقد كان لدافيد بن غوريون، أحد القادة الصهاينة البارزين، دور كبير في التفاوض على اتفاقية هآرفا إلى جانب أدولف هتلر، الذي كان قد مسك الحكم حديثا.
بن غوريون كان يرى في الاتفاقية فرصة لتعزيز الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وبالتالي تعزيز المشروع الصهيوني في المنطقة.
و على الرغم من الانتقادات التي واجهها، والانقسام الداخلي الذي أحدثته، إلا أنه دافع عن الاتفاقية باعتبارها خطوة ضرورية لتحقيق الأهداف الصهيونية، التي ترمي إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
وهذا ما حصل بالفعل، بعد أن ساهمت الاتفاقية في تعزيز الحركة الصهيونية بشكل كبير، وساعدت في زيادة عدد اليهود في فلسطين، وبالتالي تعزيز الوجود اليهودي هناك، وإقامة دولة لهم هناك.
فقد زاد التواجد اليهودي في فلسطين من 175 ألفاً عام 1931، ليتجاوز ضعف ذلك الرقم بعد ثلاثة أعوام فقط من اتفاقية “هآرفا”، ليصل إلى نحو 385 ألفاً، وذلك بعد موجات هجرة جماعية لليهود من ألمانيا وغيرها من الدول.
التعاون بين الصهاينة والنظام النازي
لم يكن التعاون بين الصهاينة والنظام النازي مقتصرًا على اتفاقية هآرفا فقط، بل كان هناك تعاون آخر بين الصهاينة والفاشية خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
ويتمثل هذا التعاون في اتفاقية القدس التي كانت واحدة من الاتفاقيات الأخرى التي تم توقيعها بين الصهاينة والنظام النازي.
هذه الاتفاقية كانت تهدف إلى تسهيل هجرة اليهود من أوروبا بشكل عام إلى فلسطين، وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهم من أجل دخول الأراضي الفلسطينية.